أول من أرضع النّبيّ عليه الصلاة والسلام ثُوَيْبَةُ بلبن ابن لها يقال له «مسروح» أيامًا قبل أن تَقْدَمَ حليمة السعدية، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب. ثم أرضعته حليمة بنت ذؤيب السعدية فإنها قالت: لما قدمنا إلى مكة لم تبقَ منا امرأة إلا عُرض عليها رسول الله ﷺ فتأباه، وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعة مَن نُرضِعُ له مِن والد المولود وكان ﷺ يتيمًا فقلنا: ما عسى أن تصنع بنا أمه؟! فكنا نأبى، حتى لم تبق من صواحباتي امرأةٌ إلا أخذت رضيعًا غيري، فكرِهتُ أن أرجع ولم آخذ شيئًا وقد أخذت صواحباتي، فقلت لزوجي الحارث: والله لأرجِعنَّ إلى ذلك اليتيمِ فلآخذَنّهُ… فأخذَتْه ورجعَت به إلى زوجها فقال لها: قد أصبتِ، عسى الله أن يجعل فيه خيرًا.

قالت حليمة: والله ما هو إلا أنْ وضعتُه في حِجري فأقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبنٍ فشرب حتى رَوِي، وشرب أخوه حتى رَوي، وقام زوجي الحارثُ إلى شارِفنا (أي الناقة الهرِمة) من الليل فإذا هي تحلب علينا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربتُ حتى رويتُ، فقال زوجي: والله يا حليمةُ ما أراكِ إلا قد أصبتِ نسمةً مباركةً، قد نامَ صبِيّانا وروينا ورويا. فنالت حليمة بإرضاعها لرسول الله ﷺ البركة والخير من سعة الرزق ورغد العيش.

وكان عليه الصلاة والسلام يشبّ في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة، فلما بلغ سنتين قدمت به حليمة إلى أمه آمنة وطلبت منها أن ترجع به لِمَا رأت من بركته عليه الصلاة والسلام، فأذنت السيّدة آمنة لها فمكث عند حليمة شهرين.

ويومًا من الأيام كان عليه الصلاة والسلام هو وأخوه خلف البيت فجاء أخوه يقول لحليمة وزوجها: أدرِكا أخي القرشيّ فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه. فأسرعا إلى النبيّ ﷺ واعتنقاه وقال له أبوه (أي من الرضاع): ما لك يا بُني؟ قال ﷺ: «أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقّا بطني والله ما أدري ما صنعا»، وكانا جبريل وميكائيل حيث جاءاه وعليهما ثياب بيض، واستخرج جبريل قلبه فشقّه وأخرج منه علقة سوداء فطرحها ثم غسله بثلج حتى أنقاه والْتأم. وتلك العلقة خُلقت في قلوبِ البشر قابلة لما يُلقيه الشيطان فبإزالتها من قلبه ﷺ لم يَبقَ فيه محلٌ قابل لإلقاء الشيطان.

فلما علمت حليمة بشق صدره خافت أن يكون ذلك حدَثًا يؤول إلى شىء يُصاب به، فأعادَتْه وزوجُها إلى أمّه آمنة سالمًا، وأخبراها بما جرى فقالت آمنة: أتخوّفتُما عليه؟ لا والله، إنّ لابني هذا شأنًا ألا أخبركما عنه؟ إني حملتُ به فلم أحمل حملًا قط هو أخف منه ولا أعظم بركة منه، لقد وضعتُه فلم يقع كما يقع الصبيان، لقد وقع واضِعًا يده في الأرض رافِعًا رأسه إلى السماء، دعاه والتحِقا بشأنكما.