لما بلغ ﷺ من العمر خمسًا وعشرين سنة مضى مرة ثانية إلى الشام مع «ميسرة» غلام خديجة بنت خويلد في تجارة، وكان المال الذي يتجر فيه من مال خديجة، وذلك أن عمه قال له: أنا لا مال لي وخديجة ترسل من يتجر لها فيصيبون منافع، فلو جئتها لأسرعتْ إليك، فبلغها ذلك فأرسلت إليه فقالت: أعطيك ضعف ما أعطي غيرك لأمانتك، فأجاب وخرج مع غلامها، وذلك من قبل تزويجه بها، حتى بلغا بُصرى، فنزل عليه الصلاة والسلام في ظل شجرة بقرب صومعة راهب يسمى نسطورا، فاطلع فرأى النبيّ تحت الشجرة فقال الراهب لميسرة: من هذا؟ قال: رجل من قريش، فقال: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبيّ، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حُمرة؟ قال: نعم لا تفارقه، فقال: هو نبيّ وهو آخر الأنبياء، فوعاها ميسرة، ثم حضرا سوق بُصرى، فباع النّبيّ المتاع وتقاضى ثمنه وقبضه واشترى ما طلب، واختلف مرة مع رجل في بيع سلعة، فقال له الرجل: أتحلف باللات والعزى؟ قال ﷺ: «ما حلفتُ بهما قط»، فعاد الرجل وصدقه. ومما رأى ميسرة من العجائب أن الغمامة كانت تظلّه ﷺ، فحدّث بذلك خديجة رضي الله عنها.
ثم رأت ربح التجارة ضعف ما كان يربح غيره فرغبت في نكاحه، فخطبته وتزوجته وهو ابن خمس وعشرين سنة، وكان عمرها هي نحو أربعين سنة، وولدت للنّبيّ ﷺ ستة أولاد: القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.