إن الله تعالى أيّد نبيّه بمعجزات كثيرة، فمن العلماء من قال: بلغت ثلاثة آلاف، وهي دلالة على صدق دعواه عليه الصلاة والسلام وأنه صادق في كل ما يبلغه عن الله تعالى. وأكبر معجزاته الدالة على صدقه القرءان العزيز الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا وكفى به، قد كان آية حق أعجزت فصحاء العرب العرباء ببرهانه وقوة بلاغته، فأقام في قومه بمكة فوق عشر سنين ينذرهم ويحادهم ويتلو عليهم القرءان فيكذبونه ويجحدونه فيطلب منهم إتيانهم بمثله إن كانوا صادقين وهم أهل الفصاحة والبلاغة، قال لهم: ائتوا بعشر سور مثله مفتريات فعجزوا، فقال: فأتوا بسورة واحدة مثله في الفصاحة والبلاغة فعجزوا،
﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ سورة الإسراء/88، فلم يطيقوا سورة واحدة ولو قصيرة كسورة الكوثر وغيرها، وهم كلهم الفصحاء البلغاء فانقلبوا مع ذلك وهم حيارى في ما جاءهم به من الحق.
ولما عجزوا عن معارضته وتحيروا في أمرهم شرعوا يختلفون عليه، فقائل منهم يقول: هذا الذي يقول سحر، وقائل يقول: أنا في أذني وقر، أي صمم فلا أسمع ما يقوله، وقائل يقول وهو أبو جهل وحزبه وكانوا قد طغوا وتمردوا ما أخبر عنه في القرءان: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)﴾ سورة فصلت، أي لا تسمعوه، وعارضوه باللغو والباطل، وإذا خلا بعضهم ببعض اعترفوا وأذعنوا وأقرّوا بأن ما جاء به هو الحق وصدقوا جميع ما تلاه من القرءان، وقالوا إنه ليس هو الذي أعجزنا به ونحن أفصح البلغاء من كلام البشر، وإنما هو كلام الله أنزله على رسوله.
وقد جعل الله القرءان في هذه الأمّة رحمة يهدي من اقتدى به إلى الصراط المستقيم والمنهج القويم والطريق السليم التي هداها هو أقوم الطرق الموصلة إلى الله تعالى فإن به يُطاع الله وبه يُعتصم، قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)﴾ سورة طه.
وقد طلبت قريش من النّبيّ ﷺ أن يريهم آية على صدقه في دعواه النبوة فأراهم انشقاق القمر بمكة فصار فرقتين فرقة فوق جبل أبي قبيس وفرقة دونه، فزاد انشقاقُ القمر الذين آمنوا إيمانًا وحصل به لأبي جهل ومن معه طغيان وقالوا: هذا سحر فابعثوا إلى الآفاق لتنظروا أرأوا ذلك أم لا، فأخبروا أنهم رأوا كذلك، وجاء المسافرون من الآفاق كل منهم مصدّق مقرّ بانشقاقه فقالوا: رأيناه عيانًا.
ومن معجزاته ﷺ الإسراء والمعراج فقد أسري به ﷺ بروحه وجسده من مكة أم القرى إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء في ليلة واحدة راكبًا على البراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى بصره، وصلّى في المسجد الأقصى بالأنبياء إمامًا، وعلا إلى السماء وكان معه جبريل عليه السلام، والمقصود من المعراج هو تشريفه ﷺ بإطلاعه على عجائب في العالم العلوي، وفي تلك الليلة فرض عليه وعلى أمّته خمس صلوات في اليوم والليلة.
ولما أصبح المصطفى ﷺ غدا على قريش فانتهى إلى نفرٍ منهم في الحطيم منهم المطعم ابن عدي والوليد بن المغيرة فقال: «إني صلّيتُ الليلةَ العشاءَ في هذا المسجدِ وصلّيتُ به الغداةَ وأتيتُ فيما بين ذلك بيت المقدس» رواه السيوطي، وذكر القصة فأعظموا ذلك وقالوا: هذا والله الأمر المبين، إن العِيْرَ لتطرد شهرًا من مكة إلى الشام مُدبِرةً وشهرًا مُقبِلةً فيذهب ذلك محمّد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟ وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه جاء في هذه الليلة بيت المقدس وصلّى فيه ثم رجع إلى مكة، فقال أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، قالوا: ها هو ذاك بالمسجد يحدث به الناس، قال: والله إن كان قال لقد صَدَقَكم، فما يعجبكم، فوالله إنه ليخبرني إنّ الخبرَ ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة وأصدقه وأنا أشهد أنه صادق، فلذلك سمّي الصديق رضي الله عنه وأرضاه. وسألوا النّبيّ عن صفات بيت المقدس فجعل يصفه بابًا بابًا ويصف موضعًا موضعًا وأبو بكر يقول: صدقتَ صدقتَ، فما قدروا على معارضته ولا أطاقوا له خلافًا لكنهم كذّبوه عِنادًا وجحدوا ما وَضَحَ لهم.
ومن معجزاته ﷺ حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر فصار ﷺ يخطب على المنبر بعدما كان يخطب إلى الجذع فأَنّ الجذعُ ولم يسكن حتى أتى ﷺ إليه فضمّه واعتنقه.
ومنها أيضًا نبع الماء من بين أصابعه الشريفة، ففي البخاري: «فوضع يده في ركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا» وحصل ذلك أكثر من مرّة، ففي قصة الحديبية أيضًا مثل ما مرّ.
وكم له من المعجزات البيّنة الظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار صلّى الله وسلّم عليه وعلى إخوانه المرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم.