الحمد للّهِ الملِكِ القدّوس، والصلاة والسلام على سيّدنا محمدٍ من بنهجِهِ طهر النّفوس، وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ الذين كانوا بين الناسِ البدور والشّموس، وبعد.
فإنّ الصلواتِ الخمس مِن أعظمِ أمورِ الإسلامِ وأوجبِها، بل هي أفضل الأعمالِ بعد الإيمانِ باللّهِ ورسولِهِ، فمن صلّاها كما أمر الشرع الشريف، فقد ربِح رِبحًا عظيمًا ومن أضاعها فقد خسِر خسرانًا عظيمًا، فالحرِيّ بالمسلمِ أن يثبت على أداءِ الصلاةِ في حالِ المرضِ والصحّة، وفي حالِ العملِ والراحة، وفي حالِ الفرحِ والحزن.
قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ سورة المؤمنون. قال القرطبيّ: «الخشوع محلّه القلب، فإِذا خشع خشعتِ الجوارِح كلّها لِخشوعِهِ، إِذ هو ملِكها»، وأبصر النّبِيّ ﷺ رجلًا يعبث بِلِحيتِهِ فِي الصّلاةِ فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارِحه»رواه ابن أبي شيبة.
فأوصِي نفسي وإياكم بأداءِ الصلواتِ في أوقاتِها، فالصلاة عونٌ للعبد في حوائجه وأموره المهمة، قالَ الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ البقرة/45، كما أنها تنهى عن الفحشاءِ والمنكر، وهي نور وبرهان ونجاة للملتزم بها يوم القيامة، قال النبيّ ﷺ في ما أخرجه أحمد وغيره: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامةِ».
والصلاة يمحو الله عزّ وجلّ بها الخطايا، ويكفّر بها السيئاتِ، كما قال النبيّ عليهِ الصلاة والسلام: «أرأيتم لو أنّ نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسِل منه كلّ يومٍ خمس مرّاتٍ هل يبقى مِن درنِهِ شىءٌ؟» قالوا: لا يبقى مِن درنِهِ شىءٌ، قال: «فذلِك مثل الصّلواتِ الخمس، يمحو الله بِهِنّ الخطايا» متّفق عليه. وكما مدح الله سبحانه وتعالى الذين هم على صلواتِهِم يحافِظون، فقد ذمّ الذين هم عن صلاتِهِم ساهون فقالَ سبحانَهُ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾ سورة مريم، قيل: ليس المراد بإضاعةِ الصلاةِ هنا تركها بالكليّةِ، ولكنّ المراد بإضاعتِها السهو عنها بتأخيرها حتى يخرج وقتها بلا عذر أحيانًا كما في الآيةِ الأخرى إذ قال سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5)﴾ سورة الماعون.
وانظروا كم قرِن ذِكر تركِ الصلاةِ بالكفرِ والعياذ باللّه إشارةً إلى فظاعةِ الأمر، قال ربّنا سبحانه إخبارًا عن ملائكةِ العذابِ يسألون أهل النّارِ توبيخًا لهم: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)﴾ سورة المدثر، وقال تعالى: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)﴾ سورة القيامة. فإذا ترك العبد الصلاة منكِرًا لفرضِيّتِها أو مستخِفًّا بها فهو كافرٌ والعياذ باللّهِ، قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58)﴾ سورة المائدة، وأمّا إن تركها كسلًا فإنه لا يكفر ولكنّه يفسّق ويقع في الذّنبِ العظيمِ، ولا يكون له بها نور ونجاة وبرهان يوم القيامة ولا يكون له عهد من الله أن يدخله الجنة إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنة.
واعلموا أنّه يجب قضاء الصّلواتِ الفائتةِ، لِما أورده الإمام مسلمٌ في الصحيحِ أنّ رسول اللهِ ﷺ قال: «من نسِي صلاةً، أو نام عنها، فكفّارتها أن يصلّيها إِذا ذكرها». فنقول لِمن ترك الصلاة أو أخرها عن وقتها إلى أن خرج وقتها إن الموت لا تأجيل فيهِ ولا إلغاء. لذا تدارك نفسك قبل الفواتِ، فالعمر محدودٌ، والنّفس معدودٌ، والموت سيفٌ مسلّطٌ على رقابِنا وهو مسلول، لا ندري متى ينزِل عليها.
والمسلم مأمورٌ بأداءِ كل عبادةٍ شرعها الله تعالى وأمره بها مِن صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجّ وغيرِها مما افترض الله عليهِ.
وقد روى البخاريّ عنِ ابنِ عباسٍ رضِي الله عنهما، أنّ امرأةً جاءت إلى النبيّ ﷺ، فقالت: إنّ أمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ، أفأحجّ عنها؟ قال: «نعم، حجّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمّكِ دينٌ أكنتِ قَاضِيَتَهُ؟»، قالت: نعم، فقال: «اقْضُوا الله الّذِي لَهُ، فَإِنَّ الله أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».
فقوله عليهِ الصلاة والسلام: «اقْضُوا الله الّذِي لَهُ» استدِلّ به على وجوبِ قضاءِ الصلواتِ الفائتةِ بعذرٍ وبغيرِ عذر. وقيل: إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوطِ الإثمِ ورفعِ الحرجِ عنه، فالعامِد أولـى فـي وجوبِ القضاءِ عليه، وهذا مِن بابِ التنبيهِ بالأدنى على الأعلى. فعلى من فاتته صلوات بلا عذرٍ مدّةً مِن الزمنِ بغيرِ عذرٍ قليلةً كانت أو كثيرةً أن يتوب إلى اللهِ تعالى، وأن يشرع في قضاءِ ما فاته مِن الصّلواتِ، ومن كان يجهل قدرها فليشتغل بالقضاءِ إلى أن يطمئِنّ قلبه أنه قضى كلّ ما كان عليه مِن صلوات، ومن كان عليه صلواتٌ فاتته بعذرٍ فلا إثم عليهِ لكن عليه أن يقضِيها، والحمد للّهِ أوّلًا وءاخِرًا، وصلّـى الله وسلّم على أشرفِ المخلوقاتِ وسيدِ الكائناتِ نبيّنا محمدٍ وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ الطيبين الطاهرين.