الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ. ذكرنا لكم بفضلٍ من الله في العدد الماضي بعض مكروهات الوضوء والآن نشرع بالحديث عن بعض مكروهات الصلاة. 

تُكرهُ الصلاة تنـزيهًا في الحمام (أي موضع الاغتسال)، وفي المقبرة التي لم تُنبَش، وأما المنبوشة فتحرمُ الصلاة فيها لأن ترابها اختلط بصديد الموتى فتنجّس فإن لم يُعلم كونها منبوشة صحّت الصلاة فيها مع الكراهة وتحرم إذا عُلم نبشها إلا بحائل يصلي عليه فتصح مع الكراهة. وكذلك تُكرَهُ الصلاة في الطريق وذلك لانشغال البال فيها المُذهب للخشوع، وفي حكم هذه المواضع ما أشبهها كمواضع الفسق لأنها مأوى للشياطين كالخمارات وأماكن جمع الربا والأماكن التي يُعبد فيها غير الله، والحشوش، والحشوش جمع حَشّ والحشُّ هو الخلاء الذي تقضى فيه الحاجة، بيوت الخلاء التي تقضى فيها الحاجة تُسمّى الحشوش إن كانت على جوانب البساتين هذه تسمى حشوشًا متى ما اعتيد قضاء الحاجة فيها، والمراد بكراهة الصلاة في هذه الأمكنة الكراهة التنـزيهية مع الصحة لخبر الصحيحين: «جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مسجدًا».
وتكره الصلاة للحاقِن أي حال كونه مُدافعًا للبول فإنها مكروهة مع صحّتها لكنه إن غلب على نفسه أنه ينضر إن صلّى وهو يُدافع البولَ حرم، وكذلك الحازق وهو المدافع للريح، وفي معناه الحاقِب وهو المدافع للغائط، وكراهة الصلاة مع ما ذُكر هي لإذهاب الخشوع، فإن كان الوقت واسعًا ندبَ لـه أن يُفرغ نفسه من هذه الأشياء ثم يصلي ولو فاتته الجماعة، وكذلك تكره الصلاة بحضرة المأكول أو المشروب أو قرب حضوره مع التوَقان إليه أي الاشتياق إليه وذلك لأنه يمنع الخشوع، وذلك لخبر مسلم عن النّبيّ ﷺ قال: «لا صلاةَ بحضرةِ الطعام ولا وهو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَان»، ومحل الكراهة عند اتساع الوقت فإن ضاقَ الوقت وجب عليه أن يصلي مدافعًا وجائعًا وعطشانَ لضيق الوقت ولا كراهة، يعني أنه إن أخّر  إلى آخر الوقت بعذر مثلًا كأن استيقظ في وقت الصبح وكان الوقت ضيّقًا فيصلي. ويكره تأخير صلاة العصر بلا عذر إلى ما قبلَ المغرب أي حتى تصفرّ الشمس وذلك لقوله ﷺ: «تلك صلاةُ المنافقين، تلك صلاةُ المنافقين، تلك صلاةُ المنافقين، يجلسُ أحدُهم حتى إذا اصفرّتِ الشمسُ فكانت بين قَرْنَي شيطان أو على قَرْنَي الشيطانِ قامَ فنقر أربعًا لا يذكُرُ اللهَ فيها إلا قليلًا» رواه أبو داود. ويكره في الصلاة أن يبسط المُصلّي ذراعيه في السّجود، بل ينبغي له أن يرفعهما عن الأرض، والرجل يُجافي ويُباعد بينهما، والمرأة تضم بعضها إلى بعض، قال ﷺ: «اعتدلوا في السجود ولا يَبْسُطْ أحَدُكُم ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكلب» رواه البخاريّ ومسلم. ويُكره التلثّم في الصلاة، والمرأة كالرجل في هذا ويكره لها الصلاة بالنقاب الذي يغطي الوجه، ويكره اقتداء من يصلّي الصلاة أداءً بمن يصلّي قضاءً وعكسه، ويكره الاقتداء بالفاسق فإن الصلاة حينها مع صحتها مكروهة والانفراد في ذلك أولى. وكذا لو سبق المأموم الإمامَ ببعض الركن لا بكُلّه كأن ركع والإمام قائم فانتظر في الركوع حتى ركع الإمام فهو مكروه، ومثله الذي يسجد والإمام قائم في الاعتدال ثم ينتظر الإمامَ في السجود حتى يضع الإمامُ جبهته على الأرض ثم يرفع رأسه مع الإمام، فهذا إن تُعمّد مكروه أيضًا.

وتكره الصلاةُ من غير سُترة وهو ما يجعله المصلي بينه وبين القِبلة، وفي ما يعتبر سترة معتبرة تفصيل فإما أن يكونَ المصلي قريبًا من جدار وأحيانًا يكفي أن يغرز شيئًا أو يخطّ خطًّا، فسجادة الصلاةِ تكفي كذلكَ أحيانًا بشرطِ أن لا يزيد طولها على ثلاثة أذرع، أما إن كان بين موضع وقوفه وبين طرفها خمسة أذرع أو ستة فهذا خلافُ السنة فإن لم يضع سُترة يقِلُّ الثواب في صلاته، ويكرهُ لبس الثوب الضيق في الصلاة للنساء وأقل من الكراهة للرجال إلا إن كان لعذر فلا كراهة فيه لكن الصلاة صحيحة في الثياب الضيّقة إذا كانت لا تصف لون البشرة والشعر، وهناك أمور غير المذكورة تكره في الصلاة إنما هذا فيه الإفادة.

والله تعالى أعلم وأحكم.