قد تكسب القلوب وتبعث بينها التآلف والمودة بكلمة، وقد تشعل العداوة والبغضاء بينك وبين أخيك المسلم بكلمة أيضًا، فانتق كلماتك ولا تتسرّع فتخرج من بين شفتيك كلمات تكسر القلوب أو تثير الفتن أو تُشعل العداء بينك وبين السامع. 

أولًا: تحاشي الجدال المذموم، قال الله تعالى:
﴿وكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا (54) سورة الكهف معناه الإنسان كثير الجدل أي الجدل الذي ليس فيه خير، وقد قال رسول الله ﷺ: «أنا زعيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنّةِ لمَنْ تركَ المِراءَ وإن كانَ مُحِقًّا» رواه أبو داود، المِراء هو الجدال المذموم الذي لا يراد منه إحقاق حق ولا إبطال باطل ثم إن الجدال العقيم مدعاة إلى أمور منها أمراض القلوب والحقد على الإخوان أو الأصدقاء ونشوب الخصومة وإفساد الصداقة القديمة وحدوث القطيعة فابتعد أخي عن الجدال كي لا تقع في المحذور.

ثانيًا: الكلمة الطيّبة، قال رسول الله ﷺ: «الكلمةُ الطيّبةُ صدقةٌ» رواه البخاري، وفي رواية له أيضًا قال الرسول ﷺ: «اتقوا النارَ ولو بشِقّ تمرة فمَنْ لم يجدْ فبكلمةٍ طيّبة»، وكثيرة هي العبارات اللطيفة التي تجعل الشخص الآخر سعيدًا يشعر بالتقدير والاحترام والأهمية وتجعله يميل إلى حبّ القائل وودّه نحو هل تتفضل بكذا… هل تسمح لي أن… إني أشكر لك… فلا تحبس كلمات جميلة في صدرك ولا تسكت عن فائدة أو نصيحة مهما كانت قليلة فقد لا تتوقع كيف تضيء بعض عباراتك حياته وترحل أنت وتبقى هي معه.

ثالثًا: تقليل الكلام، الرسول عليه الصلاة والسلام كان كلامه فصلًا لو أراد الشخص أن يعدّ كلماته لعدّها وقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله ﷺ طويل الصمت قليل الضحك، كان ضحكه تبسمًا. فمن أحبّ رسول الله ﷺ اقتدى به، فلا تُكثر من كلامك  في غير خير، فإن تقليل الكلام مطلوب يُعين الشخص على أمر الدين، فإن شيطان الشخص إذا وجد الإنسان قليل الكلام ينزعج وإن وجده كثير الكلام يفرح يقول: أوقعه، والأمر كما قال الإمام الشافعي: من كثُر كلامه كثُر سقطه.

رابعًا: إفشاء السلام، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على أمر إذا أنتم فعلتُموه تحابَبْتُم؟ أَفْشُوا السلام بينكم» رواه الترمذي.

وهذا فيه حث عظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم مَن عرفت ومَن لم تعرف والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع، والأولى في بدء السلام أن يُسلّم الصغير على الكبير والمارّ على القاعد والقليل على الكثير والراكب على الماشي، فما أجمل هذه الكلمة اللطيفة حينما يعلنها المرء لمن يلقاه.

خامسًا: تشميت العاطس، قال رسول الله ﷺ: «حقُّ المسلمِ على المسلمِ سِتّ» وذكر منها «وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللهَ فسَمّتْهُ» رواه مسلم، وتسميتُ أو تشميت العاطس هو أن تقول للعاطس إذا قال: «الحمد للّه»: «يرحمك الله» فيُجيب «يهديكم الله ويصلح بالكم» فإن لم يحمد الله لا تُشمته، فقد روى البخاري عن أنس أنه قال: عطس رجلان عند النّبيّ ﷺ فشمّت أحدهما ولم يُشمّت الآخر فقال الرجل: يا رسول الله شمّتَّ هذا ولم تشمّتني، فقال: «إنّ هذا حمد الله ولم تحمد الله»، فلا تغفل عن هذه الخصلة الحميدة التي شملت حمد الله تعالى والدعاء لأخيك المسلم بالخير.

وأخيرًا فاعلم أنك تملي بكلماتك على أحد الملكين إما رقيب وإما عتيد، فراقب نفسك واتق الله وكن خير عامل بحديث النّبيّ عليه الصلاة والسلام: «من كانَ يُؤمنُ باللّهِ واليومِ الآخرِ فليقُل خيرًا أو ليصمُت» رواه البخاري