الحبّ… كلمة نكاد نسمعها كل يوم… فهل فكرت يومًا كيف أحبّ في الله… كيف أمشي مع مَن أحبّ في الطريق الموصلة للجنّة… هلّا تخيّلت معي ذاك الموقف المهيب يوم القيامة حيث تدنو الشمس من رؤوس العباد فيغرق الناس بعرقهم كلّ على حسب أعماله ومعاصيه… أفلا تحبّ أن تكون آنذاك مع الأنبياء والشهداء والصالحين تحت ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلا ظلّ العرش؟ فجِد لنفسك صاحبًا تحبّه في الله لا لمال ولا لمنصب ولا لجاه… لا لدنيا… بل خليلًا لا تحبّه إلا للّه… فلا تجتمعان إلا على الخير فتكونا من المُظلّلين في ظلّ العرش، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «سبعةٌ يُظلّهم اللهُ في ظِلّه ِ-أي في ظلّ العرش- يوم لا ظلَّ إلا ظلّه» وذكر منهم «رجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه» رواه البخاري. 

لذا أحببنا أن نذكر في هذا المقال بعض الخصال التي تكسب بها وُدّ الناس وحبّهم، ومنها:

القرب من الناس: فإنه جدير بالمرء أن يتودّد إلى الناس الطيّبين ويغتنم فرصة إقبالهم عليه فلا يبتعد عنهم، فقد جاء في الحديث عن النّبيّ ﷺ: «الوَحدة خيرٌ من جليسِ السوء، والجليسُ الصالحُ خيرٌ من الوَحدة» رواه الحاكم، فمن أراد الرقي فليصاحب الأخيار، وقال بعض العلماء: قد يرحم اللهُ عبدًا مسيئًا بصحبته لعبد تقي. وإذا جالست أصحابك فلا تتعالَ عليهم فالنّبيّ ﷺ لم يكن يتميّز عن أصحابه في المجلس ولا في الملبس، فقد رُوي أنه كان جالسًا بين الصحابة فأتى رجل فقال: أيّكم محمّد؟ فقيل له: «هذا الرجل الأبيض المتكئ» رواه البخاري.

إسباغ التقدير الخالص: قال رسول الله ﷺ: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» رواه الترمذي، أي أن كمال شكر الله يقتضي شكر الناس، وشكر الناس يكون بالمكافأة والدعاء ونحو ذلك، فينبغي للواحد منا أن لا ينسى المعروف للناس، فهذا رسول الله ﷺ مع أن الفضل الذي له على أبي بكر، وهو إنقاذه من عبادة الأوثان إلى درجة الإيمان التي هي سبب السعادة الأبدية أفضل مما بذله أبو بكر للرسول ﷺ إلا أنه كان يدعو له فيقول: «رحمَ اللهُ أبا بكر زوّجني ابنته وحملني معه إلى دارِ الهجرة وأعتقَ بلالًا من ماله» وقال: «وما نفعني مالُ أحدٍ قطُّ ما نفعني مالُ أبي بكر» رواهما الترمذي، فلا تبخل على من له فضل عليك بالدعاء والمكافأة فإن ذلك سبب في استدامة المودة بينكما.

حبّك لأخيك ما تحبّ لنفسك: من صفة المؤمن الكامل أن يحبّ لأخيه الخير كما يحبّ لنفسه ويكره له الشر كما يكره لنفسه فيأتيه بما يحبّ أن يؤتى به ويمنع عنه ما يحبّ أن يمنع عنه من الأذى وينصح له وإن رأى نقصًا في دينه اجتهد في إصلاحه وذلك مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يبلغُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يحبَّ للناسِ ما يحبُّ لنفسهِ من الخير» رواه ابن حبان. وإنما يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها من رزق سلامة الصدر وكان قلبه خاليًا من الغل والغش والحسد، فما أجمل أن يتحلّى المسلم بهذه الخصلة فيحبّه الناس ويذكروه بالخير ويفرحوا بملاقاته ويشعروا بالوحشة حين مفارقته.

الإعلام بالحبّ: إن الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف… إذا أحببت أخاك المسلم فلا تكتم ذلك بل أعلمه فإن المصارحة بمحبّة الإخوان والأصحاب من آداب الصحبة الصالحة وتزيد أواصر المحبة والترابط بين المسلمين، وقد جاء في الأثر أن رجلًا كان عند النّبيّ ﷺ فمرّ به رجل فقال: «إني لأحبّه في الله عزّ وجلّ». فقال النّبيّ ﷺ: «أأعلمْتَه؟» قال : لا. قال: «فَأَعْلِمْهُ». قال: فلقيت الرجل فأعلمته. فقال: «أحبّكَ اللهُ الذي أحببتَني له»… رواه الحاكم، أخي القارئ إن حظيت بأخ في الله إذا رأى منك سيئة سدّها وإذا غفلت ذكرك وإذا آذيته سامحك وإذا قصرت عذرك فحافظ عليه حتى تكونا في ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلا ظلّه.

السعي في حوائج الناس: قال ابن عطاء الله السكندري: «من فضل الله عليك حاجة الناس إليك»… مَنْ منّا لا يحبّ أن يجد من يسانده في الشدائد، فلا تستنكف أن تكون أنت السند الذي يعوّل عليه في النوائب… فتكون لك البشارة التي بشّر بها النّبيّ ﷺ في قوله: «مَنْ نفّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُربِ الدنيا نفّسَ اللهُ عنه كربةً من كُربِ يوم القيامة، ومن يسّرَ على مُعسرٍ يسّرَ اللهُ عليهِ في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مسلمًا سترَه اللهُ في الدنيا والآخرة، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه» رواه مسلم. والذي جاء في فضل إعانة المسلمين كثير كثير نذكر منه أن رجلًا من الصالحين صحب قومًا في الجهاد فاشترط عليهم أن يخدمهم، وكان إذا رأى واحدًا منهم أراد أن يغسل رأسه أو ثوبه قام هو ففعل له ذلك، ثم لما مات جرّدوه للغسل فرأوا على يده مكتوبًا «من أهل الجنة» فنظروا فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم، ذكر هذه القصة الحافظ ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم. فاغتنم وجودك بين إخوانك المسلمين وأحسن إليهم لتكون من الذين قال الله فـيهم: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)سورة البقرة.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الأخلاء الصالحين وأن لا يجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، والحمد للّه ربّ العالمين.