إن لدى الغربيين معاهد خاصة يدرّس فيها ما يسمّى بالمهارات الاجتماعية، يتعلّمون فيها كيفية التعامل مع الناس وكسب ثقتهم، إلا أن الإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب، ومنها آداب التعامل مع الغير، فالنّبيّ عليه الصلاة والسلام خير قدوة ومعلم، فمن اقتدى به في أحواله ومقاله وأفعاله يعرف كيف يتعامل مع الغير على نحو موافق لشرع الله تعالى لا على ما تميل إليه نفسه، مما يخالف الشرع وقد ذكرنا بعض هذه الخصال آنفًا ونزيد في هذا المقال بعضًا منها.
المصافحة
المصافحة عند اللقاء والسلام من آداب الإسلام والأخلاق الكريمة التي حثّ عليها فهي تعبير عن المحبّة والمودّة بين المتصافحين، كما أنها تُذهب الغل والحقد والكراهية بين المسلمين، ولقد جاء في فضلها حديث عظيم جليل يقول فيه النّبيّ ﷺ: «ما من عبدين تحابّا في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه ويصلّيان على النّبيّ ﷺ إلا لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدّم منها وما تأخر» رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة. والمصافحة عند الالتقاء من عادة الصحابة، فعن قتادة أنه قال: قلت لأنس رضي الله تعالى عنه: هل كانت المصافحة في أصحاب النّبيّ ﷺ؟ فقال: نعم وكان النّبيّ ﷺ إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع.
تنبيه: مما ينبغي التنبّه له وعدم التغافل عنه أن مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية التي تحرم عليه حرام، ودليل ذلك قول رسول الله ﷺ: «لأَن يطعنَ في رأس رجل بمِخْيَطٍ من حديد خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحلُّ له» رواه الطبراني وقوله أيضًا: «إني لا أصافحُ النساء» رواه البيهقي.
التقبيل
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قبّل النّبيّ ﷺ الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله ﷺ وقال: «مَنْ لا يَرحَم لا يُرحَم» رواه البخاري. وورد أن الرسول ﷺ قبّل صحابيًّا بين عينيه على الجبهة، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله فقالوا: أتقبّلون صبيانكم؟ فقال: «نعم»، قالوا: لكنّا والله ما نقبّل، فقال رسول الله ﷺ: «أَوَ أَمْلِك إنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْ قُلُوبِكُم الرَّحْمَةَ» متفق عليه، وقد ورد في الحديث ذلك أيضًا أن من جاء من السفر يُستحب تقبيله.
ومما يحسن أن نذكّر به هنا تقبيل يد الوالدين فإن هذه الخصلة الحميدة تكاد تنسى في أيامنا، فتقبيل الولد يد والديه يظهر توقير الكبير والانكسار وشدة المحبّة والتقدير لهما… فأنصحك أخي القارئ أن تعوّد ولدك منذ الصغر أن يقبّل يدك عسى أن ينشأ بارًّا بك في هذا الزمن الذي كثر فيه العقوق.
المعانقة
رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدم زيد بن حارثة إلى المدينة ورسول الله ﷺ في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه النّبيّ ﷺ يجرّ ثوبه فاعتنقه وقبّله. ويُستحب أن تضم طفلك بنية إدخال السرور إلى قلبه، وكذلك الوالدين لإدخال السرور إلى قلبهما، وكذلك التزام القادم من السفر.
التهادي
قال بعض العلماء موصيًا تلاميذه: أوصيكم بالتحابّ والتوادّ والتناصح والتزاور والتباذل ولو بشىء قليل. يبذل هذا لأخيه سِواكًا أو شيئًا سهلًا ثم الآخر يبذل ما تيسّر له فإن التباذل يقوّي المحبّة ففي الحديث القدسي: «وحقّت محبّتي للمتباذلين فيّ» رواه أحمد. فَلْيهدِ الواحد منا أخاه شيئًا ولو قليلًا عملًا بهذا الحديث وبحديث البيهقي: «تهادَوْا تحابّوا».
التزاور
التزاور مهم جدًّا ولا سيّما إذا طالت غَيْبة أخيك أو نزلت به مصيبة أو اشتد به المرض فإن استطعت أن تزوره فزره وإن لم تستطع فأرسل له سلامًا أو كلّمه بواسطة الهاتف، فقد ورد في حديث نبويّ شريف أن المؤمن إذا خرج لزيارة أخيه المؤمن يقول له المَلَك (مَلَك من ملائكة الرحمة): «طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا» رواه ابن ماجه، معناه مشيت لخير عظيم ولك في الجنة بيت، فإن في زيارتك لأخيك المسلم لوجه الله ثوابًا عظيمًا وذلك أحسن من الخروج للنزهة.
فانظر أخي القارئ كم حثّنا النّبيّ ﷺ على خصال جليلة لو أنّ كلًّا منا عمل بها لخفّت الشحناء والبغضاء بين المسلمين ولكانوا على قلب رجل واحد عاملين بحديث رسول الله ﷺ: «إن المؤمنَ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدّ بعضُهُ بعضًا» وشبك أصابعه، رواه البخاري.
والله تعالى أعلم وأحكم.