إنّ أعمالنا اليومية من نوم وأكل وشرب وتنظّف وقضاء حاجة ومشي في طريق ودخول مسجد وغير ذلك وردت في آدابها آثار عن النّبيّ ﷺ فكانت لنا خير مرجع ومؤدب، فلمَ لا نقتدي به ﷺ حتى في بعض التفاصيل اليومية التي قد لا يخطر في بالنا أن النّبيّ علّمنا كيف يكون أتمّها وأفضلها، ونذكر منها بعض الأمور التي نرجو أن ينتفع بها قارئها. 

آداب الأكل

لقد أنزل الله تعالى كتابه على النّبيّ محمّد ﷺ وجعل خُلُقه القرءان، فكان مصدر خير وشمس هداية أضاءت للناس سُبل المصالح وهدتهم إلى الطرق القويمة والتعاليم الإسلامية، ثم إن النّبيّ ﷺ لم يقتصر على تعليم الناس مصالح دينهم بل كان يعلّمهم أيضًا مصالح دنياهم فكان حقًّا أن نقتدي به ونحاول ما استطعنا أن نتأسّى بالآداب التي وردت عنه ﷺ.

مَن منّا لا يأكل كل يوم؟ إن الله تعالى أنعم علينا بنعمة الأكل والشرب، أفلا يحبّ أحدنا أن يكسب حسنات حتى في أكله وشربه لأنه يقتدي بالنّبيّ عليه الصلاة والسلام؟ ولذلك نذكر شيئًا من آداب الأكل التي وردت عنه ﷺ.

فمن آداب ما قبل الأكل: التسمية والمراد بها قول: «بسم الله» فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوّله فليقل: «بسم الله أوّلَه وآخِرَه».

ومن الآداب أثناء الأكل: الأكل باليد اليمنى وبثلاثة أصابع ولا يأكل بشماله.

– الأكل مما يليه: إن كان الطعام جنسًا واحدًا فيُسن أن لا تمتد يده إلى ما يلي الآخرين ولا إلى وسط الطعام وذلك لحديث رواه البخاري عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما أنه قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله: «يا غلامُ سمّ اللهَ وكُلْ بيمينِك وكُلْ ممّا يليك». وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ ﷺ قال: «إن البركةَ تنزلُ وسطَ الطعامِ فكُلُوا من حافتيه ولا تأكلوا من وَسَطِه».

– عدم الاتكاء أثناء الأكل: فقد ورد أن النّبيّ ﷺ كان لا يأكل متكئًا.

– أكل اللقمة إذا وقعت: فينبغي للإنسان أن لا يترك اللقمة إذا وقعت بل يأخذها ويميط الأذى عنها ويأكلها. قال عليه الصلاة والسلام: «إذا وقعتْ لُقمة أحدِكم فليأخُذْها فليُمطْ ما كان بها من أذًى وليأكلْها ولا يدعْها للشيطان ولا يمسحْ يده بالمنديل حتى يلعقَ أصابعه فإنه لا يدري في أيّ طعامِه البركة» رواه مسلم.

ومن الآداب التي تكون بعد الفراغ من الأكل:

– حمد الله والدعاء: فيقول: «الحمد للّه الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة» فإنّه ورد أن من قال ذلك غُفر له ما تقدّم من ذنبه.

– لعق الأصابع.

– الدعاء للمضيف: فقد روى أنس أن النّبيّ ﷺ جاء سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال عليه الصلاة والسلام: «أفطرَ عندكم الصائمون وأكلَ طعامَكم الأبرار وصَلَّت عليكم الملائكةُ» رواه أبو داود.

ومن الآداب العامة في الأكل:

– عدم ذم الطعام: قال أبو هريرة: ما عاب النّبيّ ﷺ طعامًا قطّ إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه، رواه البخاري. فانتقاد الطعام قد يجرح أمًّا أو زوجة أو أختًا أو بنتًا قضت وقتًا طويلًا في إعداد الطعام.

– تقليل الطعام والشراب: فقد حثّنا الرسول ﷺ على ذلك وعلى أن لا يأكل الإنسان أكثر من حاجته فقد جاء في الأثر: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، حَسبُ ابنِ آدمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه» رواه النسائي، وقد ورد أن النّبيّ ﷺ قال: «أما أنا فلا آكلُ مُتكئًا» رواه الترمذي، ومعناه لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متكئًا بل أقعد له مستوفزًا وآكل قليلًا.

– اجتناب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة لقول النّبيّ ﷺ: «لا تشربوا في آنيةِ الذهبِ والفضةِ ولا تأكلوا في صِحَافِها» رواه البخاري.

ما جاء في النوم

ورد أن النّبيّ ﷺ كان إذا أخذ مضجعه وضع كفّه اليمنى تحت خده الأيمن وقال: «اللّهمّ قِني عذابَك يومَ تبعَثُ عبادَك» رواه النسائي، وعن حذيفة أن النّبيّ كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: «اللّهمّ باسمك أموت وأحيا»، وإذا استيقظ قال: «الحمد للّه الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» رواه البخاري.

وإذا أراد الإنسان أن ينام فليتوضأ وليطفئ النار في بيته وليغلق الأبواب، فعن جابر أن النّبيّ ﷺ قال: «أطفئوا المصابيحَ بالليلِ إذا رقدتم وغلّقوا الأبوابَ وأَوْكُوا الأسقيةَ وخمّروا الطعامَ والشرابَ ولو بعُود» رواه البخاري.

ما جاء في التنظّف

إن الله تعالى يحبّ من العبد نظافة الثوب والبدن وقد ورد عن النّبيّ ﷺ في ذلك خصال كثيرة محمودة حريّ بالمرء أن يعمل بها ومن ذلك:

الغُسل: كغسل الجمعة لمن أراد حضورها وغسل العيدين والغُسل للإحرام ولدخول مكة ولدخول مدينة رسول الله ﷺ والغُسل لحضور كل مجمع من الناس كمجالس العلم وغيرها.

استعمال السواك: فهو مطهرة للفم يُسن استعماله عند القيام من النوم وعند القيام إلى الصلاة وقراءة القرءان وغير ذلك.

حفّ الشارب: فمن السنة أن يحفّ الرجل شاربه حتى يظهر بياضُ شفته العليا فلا يعلق به دسم الطعام.

إكرام الشعر: فقد ورد أن النّبيّ ﷺ قال: «من كان له شعرٌ فليُكرمْهُ» رواه أبو داود، أي بالغسل والدهن والترجيل أي التسريح فلا يتركه بمنظر يعافه الناس فقد كان نبيّنا ﷺ يغسل شعره ويمشطه ويدهنه بالزيت.

قص الأظافر وتقليمها ونتف الإبط: بحيث لا تعلق به الروائح التي يعافها البشر، فكل هذا حثّ عليه النّبيّ ﷺ ففي الحديث الشريف: «خمس من الفطرة: الختانُ والاستحداد ونتفُ الإبط وتقليمُ الأظفار وقصُّ الشارب» رواه البخاري، والاستحداد هو حلق شعر العانة.

التطيّب: فقد كان النّبيّ ﷺ يحبّ الطيب ويكثر من التطيّب، وكان يعبق مجلسه بالروائح الزكية كالمسك والبخور والعود وغيرها. فالتطهّر والتنظّف مطلوب في الأبدان والبيوت والمساجد ومجامع الناس.

ما جاء في قضاء الحاجة

يُسن لقاضي الحاجة إذا أراد دخول الخلاء أن يقدم رجله اليسرى ويقول: «بسم الله، اللّهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث»ـ وإذا أراد أن ينصرف يقدم يمينه ويقول: «غفرانك الحمد للّه الذي أذهب عني الأذى وعافاني». ولا يستقبلُ القبلة ولا يستدبرها في غير المكان المعدّ لقضاء الحاجة، فإذا أراد أن يقضي حاجته في صحراء أو غابة مثلًا فلا يستقبل القبلة، أما في الأماكن المعدة لقضاء الحاجة فلا بأس بذلك.

ويُسن له أيضًا أن يسكت حال قضاء حاجته، ولا يقضي في جحر وهو الثَّقب، ويجتنب قضاء حاجته في مهب الريح لئلا يصيبه رشاش الخارج، ويجتنبه أيضًا تحت الشجرة المثمرة، وفي طريق الناس، وفي ظلّهم في الصيف ومواضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء، فإن ذلك سبب في لعن الناس له كثيرًا عادة لخبر مسلم مرفوعًا: «اتقوا اللّعانَيْن» قالوا: وما اللّعانان؟ قال: «الذي يتخلّى في طريقِ الناسِ أو في ظلّهم».

ما جاء في آداب الطريق

إن من حقوق الطريق التي وردت بها الأخبار ما جاء عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ ﷺ أنه قال: «إياكم والجلوسَ في الطرقات». قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدّث فيها. فقال رسول الله ﷺ: «فإذا أبيتُم إلا المجلسَ فأعطُوا الطريقَ حقّه». قالوا: وما حقّه؟ قال: «غضُّ البصرِ وكفُّ الأذى وردُّ السلام والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر» رواه مسلم.

ومنها أيضًا إماطة الأذى عن الطريق كالشوك والحجر والإعانة على الحمل ففي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقةٌ كلّ يوم تطلُعُ فيه الشمسُ، يعدلُ بين الاثنين صدقةٌ، ويُعين الرجل على دابته فيَحْمِلُ عليها أو يرفعُ عليها مَتاعَهُ صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وكلُّ خَطوةٍ يخطوها إلى الصلاة صدقةٌ ويُميط الأذى عن الطريقِ صدقةٌ» رواه البخاري.

ومنها أيضًا إرشاد السبيل فإذا استرشدك المسلم فأرشده ودلّه على طريقه فقد روى الترمذي من حديث أبي ذر عن النّبيّ ﷺ: «وإرشادُك الرجلَ في أرضِ الضلالِ لك صدقةٌ»، ويتأكّد ذلك في حق الأعمى فمن الأدب وحُسن الخُلُق أن تأخذ بيده وتسير معه حتى توصله إلى المكان الذي يقصده.

ما جاء في آداب المسجد

المساجد أحبّ بقاع الأرض إلى الله تعالى فإنها بُنيت لعبادته عزّ وجلّ وفيها تقام الصلوات وتتلى الآيات وتكون الاعتكافات وغير ذلك من الحسنات، وقد بشّر رسول الله ﷺ من تعلّق قلبه بالمساجد أنه يكون في ظلّ العرش يوم القيامة. ومن الآداب التي ينبغي على قاصد المسجد أن يراعيها:

– دعاء الذهاب إلى المسجد: فإذا خرجت إلى المسجد فاذكر الدعاء المأثور عن رسول الله ﷺ وهو: «من قال حين يخرج إلى الصلاة: اللّهم إني أسألُكَ بحقّ السائلين عليك وبحق ممشايَ هذا فإني لم أخرجْ أشرًا ولا بطرًا ولا رياءً ولا سُمعة خرجتُ اتقاءَ سخطِك وابتغاءَ مرضاتِك أسألُك أن تُنقذني من النارِ وأن تغفرَ لي ذُنوبي إنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، وُكّلَ به سبعون ألف ملك يستغفرون له» رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة.

– دعاء الدخول إلى المسجد: فإذا أردت أن تدخل تقول: «بسم الله اللّهم افتح لي أبواب رحمتك».

– الاعتكاف في المسجد: فإنه يسن لك إذا دخلته أن تصلي ركعتي تحية المسجد ثم تنوي الاعتكاف للّه تعالى ما دمت في المسجد فتكون بجلوسك فيه تكسب الحسنات بإذن الله.

– اجتناب تلويث المساجد بالقاذورات وتدنيسها بالنجاسات: فإن ذلك من المحرمات، وقد قال رسول الله ﷺ «إنّ هذه المساجدَ لا تصلُحُ لشىء من هذا البولِ ولا القذرِ إنما هي لذِكرِ الله عزّ وجلّ والصلاةِ وقراءةِ القرءان»
رواه مسلم.

– المشاركة في تنظيف المساجد وتطييبها بالبخور الطيّب: كالعود الذي كان يبخر به مسجد رسول الله في عهد عمر رضي الله عنه.

– عدم اتخاذ المساجد أسواقًا: فلا تبع في المسجد ولا تشتر فيه فإنه مكروه، وقد قال رسول الله ﷺ: «إذا رأيتُم من يَبيعُ أو يبتاعُ في المسجدِ فقولوا: لا أربحَ اللهُ تجارتَك» رواه الترمذي.

– عدم التشويش على المصلّين وعلى قارئ القرءان وعدم إيذائهم، فقد روى البيهقي أن النّبيّ اعتكف في المسجد فسمع الصحابة يجهرون بالقراءة فقال: «ألا كلّكم يناجي ربّه فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضًا ولا يرفعَنَّ بعضُكُم على بعضٍ في القراءةِ في الصلاةِ» رواه الحاكم.

– تجنّب الروائح الكريهة من الثوم والبصل ونحوه: فقد جاء في الأثر «مَن أكلَ البَصَلَ والثُّومَ والكُرَّاثَ فلا يقربنَّ مَسْجِدَنَا فإِنَّ الْملائِكةَ تتأذَّى ممَّا يتأَذَّى منه بَنو آدَمَ»
رواه مسلم.  وينبغي التبكير بالذهاب للمسجد يوم الجمعة فإن في ذلك زيادة للثواب.

– دعاء الخروج من المسجد فإذا خرجت منه فقل الدعاء الوارد عن رسول الله وهو «بسم الله، اللّهمّ افتح لي أبواب فضلك» رواه مسلم.

اللّهم اجعلنا ممن يعمر المساجد بطاعتك إنك على ما تشاء قدير وبعبادك لطيف خبير.