إن من أنفس ما تنفق فيه الأوقات تعلّم وتعليم علم الدين الذي به يحصن الإنسان نفسه من الوقوع في المهالك والشرور وبه يميّز الحلال من الحرام ويعرف حق الله تعالى عليه فيؤديه وحق الناس عليه فلا يقصّر فيه، وقد ورد أنه لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، فمن ذلك أنه يُسأل عن عمره فيمَ أفناه وعن علمه ماذا عمل به، فهنيئًا لمن أفنى عمره في تعلّم وتعليم علم الدين ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى ويا سَعْدَ من طبّق ما تعلّمه.
ثم إن من أراد تلقي العلم وتعليمه للناس يحسن أن يتبع ما ورد عنه ﷺ من الآداب وما ذكره العلماء من آداب العالم والمتعلّم ونذكر في هذا المقال بعضًا منها.
أولًا من آداب المتعلّم:
– حُسن الاستماع: فقد ورد أن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال لابنٍ له: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول وتعلّم حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن الصمت ولا تقطع على أحد حديثًا وإن طال حتى يمسك.
– الاعتراف لأهل العلم بالفضل والقدر: فعن الشعبي أنه قال: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال: أتمسك بي وأنت ابن عم رسول الله ﷺ؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء.
– تطهير القلب: ففي الصحيحين: «أَلا وإنَّ في الجسدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإِذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسدُ كُلُّهُ أَلا وهي القلبُ» ولقد قيل تطييب القلب للعلم كتطييب الأرض للزراعة، فينبغي على المتعلّم أن يطهّر قلبه من أمراض القلوب كالرياء والحسد ليجد بركة العلم الذي يتعلّمه بإذن الله.
– التواضع: فينبغي للمتعلّم أن يتواضع لمعلّمه وينظر له بعين الاحترام ويتحرّى رضاه ولا يفشي له سرًّا ويتلطّف في سؤاله ولا يلح في السؤال إلحاحًا مضجرًا ويُحسن خطابه فإذا سأله فليحرص على أن يُفهمه السؤال.
– الصبر: فعلى المتعلّم أن يصبر على جفوة شيخه ولا يصدّه ذلك عن ملازمته.
– تعليم الناس ما تعلّمه: فينبغي للطالب أن يبلغ ما سمعه لينتفع بعلمه غيره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «ألا ليبلّغِ الشاهدُ منكم الغائب» رواه البخاري.
– ومما يراعيه الطالب أيضًا أن يكرّر محفوظاته ويبتدئ درسه بحمد الله والصلاة على النّبيّ ﷺ والدعاء للعلماء ومشايخه ووالديه ويبكّر بدرسه لما ورد في الحديث الشريف: «اللّهم بارك لأمتي في بكورها» رواه أبو داود، وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال بالعلم والفائدة، وهناك الكثير غير ذلك مما ورد في آداب المتعلّم.
ثانيًا من آداب العالم:
– الإخلاص: وهو أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى وحده ولا يقصد توصّلًا إلى غرض دنيوي كتحصيل مال أو جاه أو تميّز عن الأشباه.
– التخلّق بمحاسن الأخلاق: فينبغي أن يكون العالم متخلّقًا بما حثّ عليه الشرع من الأخلاق والخصال الحميدة والشيم المرضية كالزهد في الدنيا والسخاء والجود وطلاقة الوجه والحلم والصبر والتواضع والوقار.
– ملازمة الآداب الشرعية الظاهرة والخفية: كالتنظف بإزالة الأوساخ وتنظيف الإبط وإزالة الروائح الكريهة وتسريح اللحية والحذر من الحسد والرياء واحتقار المسلمين.
– الاشتغال بالأذكار: فيشتغل بالتسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار.
– المحافظة على قراءة القرءان: ونوافل الصلوات والصوم وغيرها.
– إعادة الحديث كي يُحفظ: فعن أبي سلّام عن رجل خدم النّبيّ ﷺ أن النّبيّ كان إذا حدّث حديثًا أعاده ثلاث مرات، رواه أبو داود.
– التثبّت في الحديث وعدم سرده: فعن عائشة رضي الله عنها أن النّبيّ كان يحدّث حديثًا لو عدّه العادّ لأحصاه.
– امتحان الطالب: فينبغي للعالم أن يمتحن الطالب حتى يتأكد من فهمه المسائل على وجهها.
– مخاطبة الناس على قدر عقولهم: فعلى العالم أن يراعي عقول من يخاطبهم فلا يتكلّم بما لا يفهمونه.
ومن آدابه أيضًا أن لا يَزال مُجتهدًا بالاشتغال بالعلم قراءة وإقراءً ومطالعة وتعليقًا وتصنيفًا ولا يستنكف من التعلم ممن هو دونه في سن أو نسب أو في علم آخر ولا يستحيي من السؤال عما لا يعلم وغير ذلك من الآداب التي ذكرها علماؤنا فجزاهم ربّي عن الأمّة خير الجزاء.