الحمد للّه ذي الصفات العليّة وصلّى الله وسلّم على أشرف خلق الله محمّد صاحب الشفاعة العظمى.

أمّا بعد فقد أحببنا في هذا العدد من مجلتكم الحبيبة منار الهدى كما قرأتم أن نجمع لكم شيئًا من الآداب والأخلاق التي حثّنا عليها الشرع الكريم مستعينين بسيرة النّبيّ ﷺ الذي بُعث إلينا كما ذكر عليه الصلاة والسلام ليتمّم مكارم الأخلاق، وبسيرة السلف الصالح الذي قال فيه النّبيّ عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري ومسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» راجين أن يكون ما جمعناه في هذه الصفحات القلائل قد نفعكم وأفادكم وسائلين الله أن يجعلنا وإياكم من المتأسّين بمن علّمنا الأخلاق الإسلامية والخصال الحميدة وأن نحث أولادنا بفعلنا ومقالنا على الاقتداء بالنّبيّ عليه الصلاة والسلام وبسلف هذه الأمّة فتنشأ الأجيال التي ستحمل راية الإسلام عاليًا بإذن الله تعالى. 

وفي هذه المقالة نذكر شيئًا من الأساليب والأخلاق التي نعامل بها الغير فإننا نصادف كل يوم أشخاصًا كثيرين من أهل وأولاد وزوج وجيران وغيرهم فأحببنا أن نذكر بعض الخصال في كيفية التعامل مع الغير.

أولًا: الوالدان: ونبدأ بهما لما لهما من الحق العظيم، فقد ورد أن رجلًا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحُسن صحبتي؟ قال: «أمّك»، قال: ثم مَن؟ قال «أمّك»، قال: ثم من؟ قال: «أمّك»، قال: ثم مَن؟ قال: «أبوك» رواه البخاري ومسلم.

إن برّ الوالدين بركة في الدنيا والآخرة، فيا سعد من كسب رضا والديه وخدمهما في الدنيا قبل أن يفقدهما فيكسب بهما رضا الله تعالى وقد ورد عن النّبيّ ﷺ أنه قال: «رَغِمَ أنفُ ثم رَغِمَ أنفُ ثم رَغِمَ أنفُ» قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكِبَر أحدَهما أو كلَيْهما فلم يدخُلِ الجنة» رواه مسلم. فمن له أب أو أم على قيد الحياة فَليُسارع لبرّهما قبل أن يفقدهما، فإن أنت كسبت رضا والديك كأن كل الدنيا صارت لك، الدنيا إلى زوال أما رضا الوالدين فهو خير دائم ينفعك في الدنيا والآخرة.

وقد جاء في القرءان الكريم الحث على برّ الوالدين والنهي عن إيذائهما، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)سورة الإسراء.

ففي الآية الكريمة تحريم إيذائهما حتى بكلمة أف التي تدل على التضجر والكراهة فلا تنهرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك وقل لهما قولًا حسنًا لينًا كما يقتضيه حُسن الأدب معهما ولا تدعُهما بأسمائهما فهذا من الجفاء وسوء الأدب معهما، وألن لهما جناحك واخفضه لهما حتى لا تمتنع من شىء أحبّاه، وإذا كبرا فأشفِقْ عليهما لافتقارهما إليك الآن كما كنت تفتقر إليهما في صغرك، وادع الله أن يرحمهما برحمته الواسعة، ومن برّهما أن تزورهما بعد وفاتهما وأن تستغفر لهما فيلحقهما بذلك الثواب العظيم وتذكر قول النّبيّ عليه الصلاة والسلام حينما سُئل عن أحبّ العمل إلى الله فقال: «الصلاة على وقتها» فقال السائل: ثم أيّ؟ فقال: «ثُمَّ برّ الوالدين» رواه البخاري.

ونذكر أنّ من برّ الوالدين أن تبرّ من كان أبوك يحبّه بعد وفاة أبيك بالزيارة والإحسان، كذلك من كانت تحبّه أمك بعد وفاتها، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم: «إنّ من أبرّ البِرّ صلة الرجل أهلَ وُدّ أبيه بعد أن يُولّي» أي بعد أن يموت.

وأخيرًا نحذركما أخي القارئ وأختي القارئة من عقوق الوالدين فقد روى الحاكم بالإسناد الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: «كلُّ الذنوبِ يؤخرُ اللهُ ما شاءَ منها إلى يوم القيامةِ إلا عقوقَ الوالدين فإن الله تعالى يُعجلُهُ لصاحبِهِ في الحياة قبل الممات»، وعقوق الوالدين هو كل ما يؤذي الوالدين أو أحدهما أذًى ليس بالهين في العرف فإياك إياك أن تقع في عقوق الوالدين فإن عاقبته وخيمة.

ثانيًا: الأرحام: والمراد بالأرحام الأقارب من جهة الأب والأم كالجدّات والأجداد والخالات والأخوال والعمات والأعمام وأولادهم فيجب عليك أن تصل رحمك ولا تقطعها، فقطيعة الرحم من الكبائر، وهي تحصل بإيحاش قلوبهم وتنفيرها إما بترك الإحسان بالمال في حال الحاجة النازلة بهم أو ترك الزيارة بلا عذر، وقد قال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ سورة النساء/1، أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقال عليه السلام: «لا يدخل الجنة قاطع» رواه البخاري، أي لا يدخلها مع الأولين.

ثم إن من أسباب البسط في الرزق وطول العمر صلة الرحم فقد قال رسول الله ﷺ: «من أحبّ أن يُبسَطَ له في رزقه وأن يُنسأَ له في أثره -أي أن يطول عمره- فليَصِل رحمَهُ» رواه البخاري ومسلم.

ولا تقل هو لا يزورني فلمَ أزوره، ولا تنتظر من رحمك أن يُحسن إليك لترد له إحسانه بل لتكن أنت المبادر والسبّاق للخير فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ليس الواصِلُ بالمكافئ ولكن الواصلَ مَن إذا قطعت رحمُهُ وصلَها» رواه البخاري، وهذا من حُسن الخُلُق الذي حضّ عليه الشرع الكريم والذي كان عليه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فبهم اقتدِهْ.

ثالثًا: الزوج والزوجة: وإن الكلام عن حقوق الزوج على الزوجة وحقوق الزوجة على الزوج يطول ولا تكفي سطور قلائل لبسطه إلا أننا نذكركم ببعض ما حثّ عليه الشرع من حُسن المعاشرة بين الزوجين.

قال رسول الله ﷺ: «لو أمرتُ أحدًا أن يسجُدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجدَ لزوجها» رواه الحاكم، فإن السجود الذي هو مظهر من مظاهر التذلل والانكسار إذا كان لغير الله تعالى فهو محرم في شريعة نبيّنا محمّد ﷺ، وقد بيّن النّبيّ أنّه لو كان أمر أحدًا أن يسجد لأحد لكان أمر الزوجة أن تسجد لزوجها وهذا فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، كيف لا وقد قال عليه الصلاة والسلام: «أيّما امرأةٍ ماتت وزوجُها عنها راضٍ دخلت الجنة» رواه الترمذي.

أيّة بشرى لك أختي القارئة إن أنت أطعت زوجك في ما يُرضي الله تعالى وأديت حقوقه على الوجه الذي أمرك به الشرع الحنيف، فلا تغفلي عن كسب رضاه ولا تنكري حُسن عشرته لزلة أو هفوة، وحافظي على أولاده فأنشئيهم النشأة الحسنة، وحافظي على أمواله، وعلى بيته فلا تُدخلي إليه من لا يحبّ أن يدخله، ولا تفعلي ما يغضبه أو يعكر عليه، وإياك والفرح بين يديه إذا كان مغتمًّا أو الحزن إذا كان فرحًا مسرورًا بل افرحي لفرحه واحزني لحزنه، ولا تمنعيه من نفسك بلا عذر إذا طلبك للفراش، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» رواه مسلم.

وكلماتي الأخيرة لك أيتها الزوجة: اعتبري أن زواجك فرصةً لإحسانٍ مستمرّ فإذا استحضرت دائمًا النية الحسنة وأخلصت عملك للّه في طاعة زوجك وخدمته وتربية أولادك كان لك الأجر العظيم العظيم بإذن الله.

أما كلماتي لك أيها الزوج فإن أردت أن تسعد بحياتك مع من اخترتَ أن تكون أمًّا لأولادك وحافظة لسرّك فينبغي لك أن تقدّرها وتحسن إليها وتتجاوز عن إساءتها إن أساءت وتذكر إحسانها إليك فلو وجدتها أعدّت طعامًا ولم يكن بالهيئة التي تعجبك فلا تظهر الضيق ولو تضايقت بل افعل معها ما يفعله الكريم مع امرأته واعتبر نيّتها في خدمتك لا ما تم لها من الطعام فإنها بتهيئة طعامك محسنة إليك ولا تبخل عليها بكلمات الشكر والتقدير فهذا يؤدي إلى كسب ودّها وحبّها واستحضر قول النّبيّ ﷺ: «خيركم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي» رواه الترمذي، معناه أن الذي يحسن معاملة زوجته فيعاملها بالتواضع والرحمة والعطف والإحسان والعفو إذا هي أساءت يكون من أفضل الرجال فعليك أخي القارئ أن تعامل زوجتك بالمداراة لكن بحكمتك ووفقًا لشرع الله تعالى.

وأخيرًا أذكرك بالحديث الشريف الذي رواه البخاري: «استوصوا بالنساء». فاستوصِ بزوجتك خيرًا وهذا حال الكرام فعن علي رضي الله عنه أنه قال: «إن أحببتها أكرمتها وإن كرهتها لم أظلمها»، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِسورة النساء/19.

رابعًا: الأولاد: إن كثيرًا من الفساد اليوم الذي انتشر بين الأجيال الناشئة يكون سببه سوء تربية الأهل للأولاد وإهمالهم لهم في صغرهم فينشؤون على الحرام والبعد عن طاعة الله وعن التعاليم الإسلامية، وبعد فوات الأوان يندم الأب أو الأم على تقصيرهما ولات حينَ ندم… فاحرصا أيها الأبوان على تأدية الحق الذي أوجبه الله عليكما تجاه أولادكما فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُسورة التحريم/6، وقيل في تفسير هذه الآية إنه يجب على الإنسان أمر أهله من زوجة وسائر عياله بالتقوى والطاعة خصوصًا الصلاة، وأن يعلّمهم الخير فيقي نفسه وإياهم بترك المعاصي وفعل الطاعات من النار التي لا يقوى أحدنا على حرّها…

وقد ذكّرنا النّبيّ ﷺ بالمسؤولية التي على عاتق كل منّا فقال: «كلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ، فالإمام راع وهو مسؤولٌ، والرجل راع على أهله وهو مسؤولٌ، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولةٌ، والعبد راع على مال سيده وهو  مسؤولٌ، ألا فكلُّكُم راع وكلُّكُم  مسؤولٌ» رواه البخاري، فحري بكما أيها الوالدان أن تُربّيا أولادكما على التربية الصالحة بأن تعلّماهم أهم أمور العقيدة الحقة وتأمراهم بالصلاة والصيام وتنشئاهم على الأخلاق المحمّدية وتحذراهم من المعاصي لكي يجتنبوها، ولا تنسيا أن الولد عادة يراقب ما يفعله أهله ليقلّدهم فكونا خير قدوة له في الحال والمقال والأفعال.

وأختم كلامي لكما بأن تزرعا في أولادكما الخوف من الله تعالى وترسخا في قلوبهم أن الله تعالى يرانا ومطلع علينا لا تخفى عليه خافية، فإذا بلغوا كان ذلك مدعاة لهم لترك المعاصي وأداء الواجبات.

خامسًا: الجيران: وقد غفل كثير من الناس اليوم عن الإحسان إلى الجيران وكأنهم لم يسمعوا قول النّبيّ عليه الصلاة والسلام: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُوَرّثُه» رواه البخاري، وروى البيهقي أن رسول الله ﷺ قال: «أتدري ما حقُّ الجار: إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضَكَ أقرضتَهُ، وإذا افتقرَ عُدتَ عليه، وإذا مرضَ عُدتَه، وإذا أصابه خيرٌ هنّأته، وإذا أصابته مصيبةٌ عزّيتَهُ، وإذا ماتَ اتّبعت جنازتَه، ولا تستطيلَ عليهِ بالبناءِ، تحجبُ عنه الريحَ إلا بإذنه، ولا تؤذيه بقتار قدرك إلا أن تغرِفَ له منها، وإن اشتريتَ فاكهةً فأَهْدِ له، فإن لم تفعلْ فأدخلها سِرًّا، ولا يخرُجْ بها ولدُك ليغيظَ بها ولدَه، أتدرون ما حقُّ الجار، والذي نفسي بيدِه ما يبلُغُ حقّ الجار إلا قليلًا ممّن رحم الله». اسعَ أخي القارئ أن تكون من العاملين بهذا الحديث فإن الإحسان إلى الجار فضله عظيم وهو من خصال المؤمن الكامل كما قال عليه الصلاة والسلام: «من كانَ يؤمنُ باللّه واليوم الآخر فليُكرم جارَه» رواه مسلم. فلا يهملنّ أحدكم الإحسان إلى جاره.

وأختم كلامي بالحث على التأسّي بأخلاق رسول الله ﷺ فإن في ذلك صلاح ديننا ودنيانا وعلى نشر التعاليم الإسلامية والأخلاق المحمّدية لا سيما بين الصغار. اللّهم علّمنا ما جهلنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وحسّن أخلاقنا واجز عنّا محمّدًا عليه الصلاة والسلام خير الجزاء، وباللّه التوفيق.