الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد النّبيّ الأمّي الأمين، وعلى آله وأصحابه الميامين، وكلّ من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد فإن القيام بالاعتماد على القدمين ركنٌ من أركان صلاة الفرض للقادر، فيجب على المصلي في صلاة الفرض القيام لها معتمدًا على قدميه مع نصب فقار ظهره ما استطاع. وأما من كان عاجزًا عن القيام أو تلحقه مشقة شديدة من القيام في الصلاة فله أن يصلي على هيئة بحيث يتفادى الضرر أو المشقة التي لا تحتمل.  فعلى سبيل المثال من عجز عن الوقوف صلّى قاعدًا ومن عجز عن القعود صلّى على جنب وهكذا على حسب حاله. روى البخاري عن عمران ابن الحُصَيْن رضي الله عنه أنه قال: كانت بي بواسير فسألت النّبيّ عن الصلاة فقال: «صلّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب». وزاد النسائي: «فَإِن لم تستطع فمستلقيًا، لا يُكَلف الله نفسًا إِلَّا وسعَها».

وفي أيامنا انتشرت في المساجد والمصليات ظاهرة وضع الكراسي لمن لا يمكنه الصلاة واقفًا، وصار البعض ممن يقدر على القيام في الصلاة يميل للراحة فيجلس، والبعض ممن علّته تؤثر على سجوده لا على قيامه تراه يجلس من أول الصلاة ولا يأتي بالقيام، إلى غير ذلك من الأمثلة والحالات التي هي بسبب طلب الراحة وبسبب الجهل صاروا يؤدون الصلاة على وجه غير مطابق لما جاء في الشرع ومن ثَمَّ فهي غير صحيحة ولا مقبولة.

لذلك كان من الواجب على المكلف أن يتعلّم كيف يؤدي الصلاة على ما أمر الله تعالى، فمن كان به علة أو مرض يعجزه عن القيام يجب عليه تعلم كيفية الصلاة قاعدًا أو مضطجعًا وما هي الأحكام التابعة لذلك التي لا بدّ من مراعاتها لصحة الصلاة.

قال الشيخ زكريا الأنصاري في عدّ أركان الصلاة: الركن الثالث القيام أو بدله وشرطه نصب فقار الظهر وهو عظامه لا نصب الرقبة اهـ.

وقال النووي في  كتاب المجموع: «أجمعت الأمّة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدًا ولا إعادة عليه، قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام، لأنه معذور، وقد ثبت في صحيح البخاري أن
رسول الله ﷺ قال: «إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ كُتبَ له ما كان يعملُ مقيمًا صحيحًا». قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلّى قاعدًا ولا إعادة»اهـ.

ثم إن المُصلّين القاعدين على الكراسي أو القاعدين على الأرض يختلف حالهم، فمنهم من عِلّته في القيام فقط أي أنه يعجز عن القيام أي الوقوف مع نصب فقار الظهر في الصلاة، ففي هذه الحالة له أن يجلس لعجزه عن الوقوف على قدميه ويصلي جالسًا كيفما يستطيع. وأما من كان يستطيع القيام ولو مستندًا إلى جدار أو مستعينًا بنحو عُكاز أو بمُعين يُعينه في النهوض ولو بأجرة فإنه يلزمه ذلك ولا يسقط عنه فرض القيام في الصلاة. ومِن المُصلّين مَن يقوى على القيام في الركعة الأولى ولكنه يعجز عن القيام بعد القعود، فهذا لا يجلس من أول الصلاة بل يقف ويقرأ الفاتحة ويركع ويسجد ثم يجلس ويكمل صلاته جالسًا إن عجز عن القيام تمامًا وليس له أن يقعد من أول الصلاة وهو قادر على الوقوف ولو لجزء منها. وقريب من هذا مَن عجز عن القيام وأمكنه السجود على الأرض فإنه يجلس حال قراءته الفاتحة ويتم سجوده وليس له عذر لترك السجود التام أو الإتيان به وهو جالس على الكرسي أو نحوه لقدرته على إتمام السجود وإن عجز عن القيام. وكذا من كانت عِلّته ليست بالوقوف على القدمين بل بالعجز عن الانحناء للركوع فهذا يقف ويقرأ الفاتحة واقفًا ثم يجلس ويومئ برأسه من قيام، ثم بعد ذلك يسجد ويقوم وهكذا يتم صلاته. وكذا من عجز عن السجود فيقف للقراءة ثم يركع ثم يومئ للسجود من قيام ثم يجلس ثم يسجد من جلوس ثم يعود للقيام ويتم صلاته. وذلك لأن القاعدة في واجبات الصلاة أن ما استطاع المصلي فِعله، وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله لعِلّة أو مشقة عَمِلهُ على ما يستطيع. فالحكم مداره على المشقة والضرر لا على طلب الراحة والأسهل.

ومن العجيب أنك ترى البعض يمشي المسافات البعيدة وهو يتنزه ويقف لمدة طويلة على قدميه في الأسواق ثم إذا ما دخل المسجد جلس وصلّى على الكرسي من أول الصلاة، فمثل هذا القادر على القيام لا تصح صلاته قاعدًا، لأن القعود في الصلاة رخصة للعاجز عن القيام وهو ليس من أهلها.

وكل ما سبق ذكره وبيانه هو بالنسبة لصلاة الفريضة، وأما صلاة النافلة فالأمر فيها واسع لأنّ الشرع قد جوّز صلاة النفل قاعدًا ولو كان يستطيع القيام أي تصح صلاة السنن والنوافل قاعدًا ولو بدون عذر ولكنه يكون بهذا ترك الأفضل وقلّ ثوابه.

روى البخاري عن عمران بن حصين أنه قال: سألت النّبيّ ﷺ عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال: «من صلّى قائمًا فهو أفضل، ومن صلّى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلّى نائمًا فله نصف أجر القاعد».

وهذا الحديث محمول على صلاة النفل كما أشار إليه ابن بطّال في شرحه على صحيح البخاري فقال: «إذا عجز عن القيام انتقل فرضه إلى الجلوس فإذا صلّى جالسًا فليس المصلي قائمًا أفضل منه» اهـ. وقال النووي كما نقله عنه العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: «إذا صلّى قاعدًا صلاة النفل مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلّى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه، بل يكون ثوابه كثوابه قائمًا، وأما الفرض فإن صلاته قاعدًا مع القدرة على القيام لا تصح فضلًا عن الثواب. وإن صلّى قاعدًا لعجزه عن القيام أو مضطجعًا لعجزه عن القعود، فثوابه كثوابه قائمًا لا ينقص».