مما هو معروف ومشهور عند أطباء العرب والعجم والحكماء أنهم يمتدحون قلة الأكل والشرب وذلك لأن كثرة الأكل والشرب وامتلاء المعدة بالطعام دليل على النهم والحرص والشره وغلبة الشهوة، وهو مسبّب لأمراض الجسد المختلفة. وفي هذا يقول طبيب العرب المشهور الحارث ابن كَلْدَة: الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء، والبطنة هي امتلاء المعدة بالطعام الكثير.
هدي النّبيّ الأعظم ﷺ في تقليل الطعام والشراب
لقد جاء هدي الرسول الأعظم ﷺ وافيًا شافيًا في أمر الطعام والشراب بما يكفل صحة البدن وسلامة حواسه وأعضائه، وسلامة العقل.
إن كثرة الأكل وإدخال الطعام على الطعام فيه إثقال المعدة وجلب للتخمة وهي غير موافقة لراحة المعدة وسلامتها، حيث يثقل الطعام على المعدة فتضعف عن هضمه. والمعدة كما قال الأطباء قديمًا وحديثًا بيت الداء والأمراض، فيتولد من ذلك الأمراض المختلفة فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل.
وقد قال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء. وقد بيّن نبيّنا الأعظم سيّدنا محمّد ﷺ إمام الحكماء والأطباء وسيّدهم هذا المعنى بيانًا شافيًا يُغني عن كلام الأطباء.
ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة.
ولقد ذكر الرسول العظيم ﷺ في حديثه الشريف أن التثاؤب من الشيطان.
فالتثاؤب كما ذكر العلماء الأجلاء غالبًا ما يكون سببه الشبع. وهذا ما يعجب الشيطان الذي يحاول جاهدًا أن يصدّ العبد المؤمن عن طاعة الله تبارك وتعالى، ويوقعه في الحرام. ويثبط عزيمته عن المسارعة في الخيرات والطاعات. لذلك قال العلماء: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتثاءب في حياته قط.
ولقد أخبرت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها عن سيرة النّبيّ الأعظم ﷺ في طعامه وشرابه فقالت: لم يمتلئ جوف النّبيّ ﷺ شبعًا قط وأنه كان في أهله لا يسألهم طعامًا ولا يتشهّاه إن أطعموه أكل وما أطعموه قبل وما سَقَوه شرب.
خاتمة
مما تقدّم سابقًا وعلى ضوء هدي النّبيّ الأعظم ﷺ في وصيّته لأمّته في تقليل الطعام والشراب وتقدير الغذاء المطلوب الداخل للبطن الذي هو كما قيل أكبر الدواء… نرى في وصيته عليه الصلاة والسلام لأمّته كيف بيّن ﷺ هذا المعنى في الحديث المذكور بيانًا شافيًا في كلمات قليلة موجزة حيث وضع لنا قاعدة طبية كافية وشافية بإذن الله تعالى، وهي مغنية عن كلام الأطباء، وتحمل في طياتها حكمة عظيمة قد أذهلت عقول الأطباء والحكماء وحيرتهم لعظيم ما تحمل بين طياتها من معان طيبة عظيمة في تقسيم الغذاء الداخل للمعدة وعدم الإكثار من الأكل والشرب اللذين هما سبب الكثير من الأمراض والمضارّ.