إنها قَبَسَاتٌ نورانية وإشراقاتُ خَيْرٍ من هُدَى الطبّ النبويّ الشريف، تزيدُ المؤمن إيمانًا، وتَشْهدُ بصِدق نبيّنا محمّد ﷺ.

لقد أرشدنا نبيّنا المصطفى ﷺ من خلال سيرته العطرة المباركة، ومن خلال إرشاداته وتعليماته العظيمة ووصاياه النافعة لأمّته إلى علاج الهمّ والغم والكرب والحزن. 

فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «دعواتُ المَكْرُوبِ: اللّهُم رحمتَكَ أرجو فلا تَكِلنِي إلى نَفْسِي طَرْفةَ عينٍ، وأصلحْ لي شأني كلَّه، لا إلـٰهَ إلا أنتَ» رواه أبو داود.

وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنها قالت: قال لي رسول الله ﷺ: «ألا أعلّمُكِ كلماتٍ تقولينَهُنَّ عندَ الكربِ أو في الكربِ اللهُ اللهُ ربّي لا أشركُ بهِ شيئًا» رواه أبو داود.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: دخل رسول الله ﷺ ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: «يا أبَا أمَامَةَ مَا لي أراكَ جَالسًا في المَسْجِدِ في غَيرِ وقتِ الصلاة؟» فقال: همومٌ لزمتني وديون يا رسول الله. فقال ﷺ: «أفلا أعلّمُك كلامًا إذا أنتَ قلتَه أذهبَ اللهُ عزّ وجلّ همّك، وقضى عنكَ دينك؟» قال: قلت بلى يا رسول الله، قال ﷺ: «قُلْ إذَا أصبَحتَ وإذَا أمسَيتَ: اللّهُمّ إني أعوذُ بكَ من الهَمّ والحَزَنِ وأعوذُ بكَ من العجز والكسلِ، وأعوذُ بكَ من الجُبن والبُخل، وأعوذُ بكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرجال». قال أبو أمامة رضي الله عنه: ففعلتُ ذلك فأذهب الله عزّ وجلّ همّي وقضى عني دَيْني، رواه أبو داود. ومن فوائد هذا الدعاء كما قال العلماء أن من داوم عليه يقوى قلبه أي يكسب جُرأة ويُقضى عنه دينه ويذهب همّه.

ومما علّم النبيّ الأعظم ﷺ أمّته أن يقرؤوه من القرءان عند الوقوع في الكرب والشدّة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة. فعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من قرأَ آيةَ الكُرسِيّ وخواتيمَ سُورة البقرةِ عندَ الكربِ أغاثَهُ اللهُ» رواه ابن السني.

ومما ينفع لعلاج الحزن والهم أن نقول ما علّمنا إياه النبيّ المصطفى ﷺ حيث قال ﷺ: «ما قالَ عَبْدٌ قَطُّ ، إذَا أصَابَهُ هَمٌّ أو حُزْنٌ: اللَّهُمَّ إنّي عَبْدُكَ ابنُ عَبْدِكَ ابنُ أَمَتِكَ، ناصِيَتي بيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أسْألُكَ بكُلّ اسْمٍ هُوَ لكَ، سَمَّيْتَ به نَفْسَك، أوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أو عَلَّمْتَهُ أحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأْثَرْتَ بهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْءانَ رَبِيعَ قَلْبِي، ونُورَ بَصَرِي، وجَلاءَ حُزْنِي، وذَهَابَ هَمّي، إلّا أذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وأبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا» رواه ابن حبان، ومعنى «ناصِيَتي بيَدِكَ» أي تتصرف فيّ كما تشاء، فاللّه سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح والأعضاء.

فوائد «لا حول ولا قوّة إلا باللّه»

في علاج الهموم والغموم

إن ملازمة كلمة «لا حول ولا قوة إلا باللّه» والإكثار منها فيه منافع كثيرة فهذه الكلمة المباركة كنز من كنوز الجنة كما أخبر النبيّ ﷺ أي في قولها والإكثار منها ثواب عظيم، وهي تنفع أيضًا لعلاج أمراض كثيرة منها الهمّ فقد قال النبيّ الأعظم ﷺ: «من قال: لا حول ولا قوة إلا باللّه كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم» رواه الحاكم في المستدرك.

وقال العلماء إن ملازمة قول: «لا حول ولا قوة إلا باللّه» والإكثار منها ينفع كثيرًا لمن ابتلي بداء الوسوسة.

فوائد الاستغفار

ومما ينفع لعلاج الهم والكرب وللخروج من الضيق والشدة ويساعد أيضًا في أمور الرزق كثرة الاستغفار وملازمته ليلًا ونهارًا.

فقد قال رسول الله ﷺ: «من لَزِمَ الاستغفارَ جَعَلَ اللهُ لهُ مِنْ كُلّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ومِنْ كلّ همّ فَرَجًا ورزقَهُ مِن حيثُ لا يَحتَسِب» راوه أبو داود.

كلمة نبيّ الله يونس ﷺ في علاج الكرب والشدة

ومما ينفع في علاج الكرب أيضًا ما دعا به نبيّ الله يونس عليه السلام ربّه وهو مكروب في بطن الحوت عندما التقمه، فقال: «لا إلـٰه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» فاستجاب الله تبارك وتعالى له ونجاه من الغم الذي كان فيه. روى ابن السني عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: شهدتُ رسول الله ﷺ يقول: «إني لأعلم كلمةً لا يقولها مكروبٌ إلا فرّج الله عنه: كلمةُ أخي يونس عليه السلام ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)» سورة الأنبياء.

كثرة الصلاة على النّبيّ علاج لداء الهم

ومما أرشدنا إليه نبيّنا الأعظم ﷺ في علاج داء الهم والغم الإكثار من الصلاة عليه ﷺ، فإنها مفتاح الخيرات والبركات وباب المبرّات والسعادات وهي تكفي وتنفع عند كل غمّة ومُهِمّة، وتكشف كل فاقة ومدلهمة (أي أمر عصيب)، وبها يغفر الله تبارك وتعالى الذنوب.

فعن الصحابي الجليل أبَيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: كان
رسول الله ﷺ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناسُ اذكروا اللهَ، اذكروا اللهَ، جاءت الراجفةُ تتبَعُها الرادفةُ، جاءَ الموتُ بما فيه». قلتُ: يا رسول الله إنّي أُكثرُ الصلاةَ عليكَ، فكم أجعل لك من صلاتي؟ (أي في مجالسي الخاصة للدعاء). قال ﷺ: «ما شئتَ» قلت: الربع؟ قال ﷺ: «ما شئت فإن زدتَ فهو خيرٌ لكَ» قلتُ: النصف؟ قال ﷺ: «ما شئتَ فإن زدتَ فهو خيرٌ لكَ»، قلتُ: فالثلثين؟ قال: ما شئتَ فإن زدتَ فهو خير لك. قلتُ: أجعل لك صلاتي كلّها، قال ﷺ: «إذن تُكفى همّك، ويُغفر لكَ ذنبُكَ» رواه الترمذي.

ما أعظم هدي النبيّ الأعظم ﷺ في ما أرشد إليه أمّته مما ينفعهم في صحتهم ومعاشهم وآخرتهم.