الآن وبعد مرور حوالي عقدين ونصف من عمري سأكتب فيكِ عن يومياتي القديمة… عندما كنتُ طفلة… عندما كانت الحياة ربما بالنسبة لنا (نحن الأطفال) فارشةً رداءها الورديّ..
كان نهارُنا يبدأ بعد دخول وقت الفجر لنستيقظ على صوت الأذان من الجامع الذي بقرب بيتنا لنصلّي الفجر جماعةً ومن ثمّ نشرب كأس الماء ممزوجًا بالعسل ونأكل طعام الفطور لنذهب إلى المدرسة بنشاط ونحن متشوّقون لنرى أصدقاءنا ونسمع أخبارهم…
كانت السعادة بالنسبة لنا مقرونة بيوم عطلة نهاية الأسبوع، عندما تجتمع الأسرة كبيرها وصغيرها في بيت جدي…
نلهو ونمرح ونلعب هنا وهناك ثم نجلس لنستمع للقصة الأسبوعية التي كان يلقيها علينا جدّي.. قصة تحكي عن ماضيه والزمن الذي عاش فيه شبابه وكم كانت تلمع عيناه وهو يحكي لنا عن خيرات بلاده وشبابها الذين كان همُّهم نشر العلم وتعليم الناس، الذين كانوا يخرجون لصلاة الفجر في المسجد ويتركون باب بيتهم مغلقًا بلا أقفال! لهذه الدرجة كانت أكثر النفوس طيّبة لا تحمل خبثًا… كانت حكاياه تختلف عن الحكايا التي نسمعها الآن… كان يشوّقنا لنكون مثل أولئك الكبار الأبطال… وبين الحين والآخر يمازح جدتي بقوله (زوّجني إياها أهلي) ولكن بالفعل! كان الأهل يختارون الزوجة الصالحة المناسبة لولدهم ولم يكن في ذاك الوقت (إنترنت) ولا وسيلة تواصل سوى الزيارة بحضور الأهل… ومع ذلك كانت نسب الطلاق قليلة جدًّا لا تكاد تُذكر!
وبالعودة لقصص جدي، كانت دائمًا ما تنتهي بعبارته الشهيرة (الله يرضى عنكم أطيعوا الله ورسوله واسمعوا كلمة أهلكم)
كان ذاك اللقاء كجرعةٍ أسبوعية نأخذها نحن الصغار من كبير الأسرة… الكبير في أخلاقه وصفاته…
كنا نلعب مع بعض، وأكثر لعبة كنا نشعر بالخوف منها هي لعبة الطبيب والمريض! بالتأكيد لأننا نخاف من الإبرة!
بينما الآن صاروا يتباهون بالألعاب الأكثر عدوانية والتي لا تكاد تخلو من تمثيل قتل أو منظر دماء!
حتى باتت مناظر القتل والتنكيل الحقيقية تكاد لا تؤثر فيهم!
وباتت الجمعات الأسرية مقتصرة على الأعياد والمناسبات فقط!
وصغير الأسرة لا يستمع لكلام كبيرها بحجّة أنه (من زمن غير زماننا)
تلك كانت جزءًا من يومياتي القديمة… الماضية
ولكن يبقى السؤال يراودني… تُرى هل سيكتب ولدي يومًا ما عن يومياته، عن فترة جميلة عاشها ملؤُها الصدق والبراءة؟