الله تعالى فضّل بعض الأيام على بعض، وخصّ أيامًا من السنة بخصائص مميزة فجعل الله يوم عرفة أفضل أيام السنة على الإطلاق، وهو يوم التاسع من ذي الحجة من أيام الأشهر الحُرم، وعرفة يقال لها عرفات هي أرض قريبة من مكة يقف الحجاج عليها لإتمام ركن من أركان الحج.
ويوم عرفة من الأيام العشرة الفضيلة التي أقسمَ الله بها في القرءان العظيم فقال: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)﴾ سورة الفجر، وهو أيضًا من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ سورة الحج/28. فهو يوم مشهود جاء فضلهُ في القرءان العظيم بقوله تعالى: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)﴾ سورة البروج، وجاء عن الإمام علي رضي الله عنه قال في الآية: «الشاهدُ يوم الجمعة، والمشهودُ يوم عرفة». ويومَ حجَّ النبيّ ﷺ حجة الوداع كان في خطبته الشهيرة في يوم عرفة الإعلان عن كمال الدين، وإتمام النعمة، كما في حديث عمر بن الخطاب أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آيةٌ في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا قال: أي آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ سورة المائدة/3، قال عمر: «قد عرفنَا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبيّ ﷺ وهو قائم بعَرفَة يومَ جمعة».
والوقوف بأرض عرفات للحجاج ركنٌ لا يعوض عنه أبدًا، وقته بين زوال شمس التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر يوم العيد ويصح ولو لوقت قليل، قال رسول الله ﷺ: «الحجُّ عَرَفة» رواه النسائي، فمن فاته من الحجاج الوقوف بعرفة فاته الحجّ. ويوم عرفة هو يوم العتق من النّار، لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله ﷺ قال: «مَا منْ يَوْمٍ أكْثَرَ منْ أَنْ يُعْتقَ الله فيه عَبْدًا منَ النَّار منْ يَوْم عَرَفَةَ» رواه مسلم، والعتقُ من النار هو النجاة من النار وأهوالها. فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يُعتق الله تعالى فيه خلقًا من النار. ويوم عرفة يوم الدعاء وترطيب الألسن بكلمة التوحيد لا إلـٰه إلا الله، لحديث طلحة بن عبيد الله بن كَريزٍ أن رسول الله ﷺ قال: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له» رواه البيهقي، وهذا الدعاء ليس خاصًّا بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم، لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في البقاع المباركة، بل ينبغي أن يُكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم. وهذا الإكثار من كلمة التوحيد لا إلـٰه الا الله في يوم عرفة فيه استحضار معاني التوحيد أنه لا أحد يستحق نهاية التعظيم إلا الله، لا أحد يستحق أن يُعظم كما يُعظم الله، وفي يوم عرفة العظيم يُحقّرُ الشيطان ويُصغّرُ ويُدحَرُ لما يرى من تنزّل الرحمة على العباد.
وإذا كان أهل الموقف من الحجاج قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحجّ الأعظم ونالوا بركته، فإنَّ لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم سُنة سَنّها نبيّنا عليه الصلاة والسلام لغير الحاجّ، وصوم يوم عرفة يُكفرُ سَنتين من الذنوب كما قال النبيُّ ﷺ: «صيَامُ يَوْم عَرَفَةَ، أَحْتَسبُ عَلى الله أَنْ يُكَفّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ» رواه مسلم، فعظّموا يوم عرفة بالأعمال الصالحة، والقربات النافعة، واحرصوا على صيامه مع أهليكم وأولادكم القادرين على الصوم، وأكثروا فيه من التهليل والتكبير والذكر فإنه أفضل يوم في السنة كلها، وفضل الله تعالى يَسعُ الحجاج وغيرهم، فلا يحرمنَّ عبدٌ نفسه خير الله تعالى وفضله في ذلك اليوم العظيم، نسأل الله تعالى أن يقبل طاعاتنا ويوفقنا للخيرات فيه، وأن يرزقنا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب…