قال ﷺ: «إذا توضأ أحدُكم فليجعل في أنفه الماء ثم لينْتثِر» رواه الشيخان.
وعن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، فقال ﷺ: «أسبِغ الوضوءَ (أي أتمّه) وخلّلْ بين الأصابعِ وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» رواه الترمذي.
وقال رسول الله ﷺ: «إذا توضأت فَمَضمِضْ» رواه البيهقي في السنن الكبرى.
وورد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دعا بوَضوء فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه. ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا، متفق عليه.
والمضمضة هي إيصال الماء إلى داخل الفم. وأما كمال المضمضة كما قال العلماء فهو أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه.
والاستنشاق هو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه.
والاستنثار هو إخراج الماء من الأنف مع المستقذر كالمخاط وغيره.
فوائد الوضوء الصحيّة
إنّ في غسل المؤمن يديه في بداية الوضوء قبل إدخالهما الإناء الذي يتوضأ منه محافظة على النظافة والصحة والطهارة. وفي غسل الفم بالمضمضة إزالة ما تراكم في الفم من بقايا الأطعمة بين الأسنان حيث تسبب هذه البقايا تسوسًا يبخر منه الفم ويفسد، وتحصل الآكلة في الأسنان، فضلًا عن نظافة الفم مما فسد من الأجزاء الباقية من الطعام والشراب، ثم المحافظة على كنز الأسنان وحفظها من التسوس هذا العدو اللدود للأسنان الذي يسبب لها التآكل.
وفي الاستنشاق والاستنثار أثناء عملية الوضوء تنظيف لمسالك الدورة الهوائية، وإزالة لبقايا الأتربة والغبار والقاذورات التي قد تتسرب إلى الرئتين أثناء عملية التنفس فتؤذيها وتحدث أمراضًا خطيرة. ولذا كان غسل الأنف من الناحية الصحية أمرًا مهمًّا جدًّا كما يقول الأطباء حتى في غير الحالات المرضية حيث يقي من حالات الزكام والتهابات الجيوب الأنفية.
وفي غسل الوجه أثناء الوضوء يتخلص الوجه من الأتربة والغبار والأقذار والإفرازات التي قد تتعرض لها العينان، وبتكرار غسل الوجه كل يوم يبدو وجه المسلم وضيئًا صبوحًا خاصة وجوه هؤلاء الأخيار الذين يتقنون ويحسنون وضوءهم وَيُتِمونه كما أمرهم بذلك نبيّهم الأعظم ﷺ وحضهم عليه. يقول النبيّ الأعظم ﷺ: «مَنْ توضأ كما أمر، وصـلّى كـما أُمر، غُفر له ما تقدّم من ذنبه» أي الذنوب الصغائر ، رواه ابن حبان.
وفي غسل الأيدي أثناء الوضوء وفي تكرير غسلهما ثلاث مرات نظافة لليدين وحمايتها من التلوث الذي تتعرض له، إذ إن اليدين تتعرّض كثيرًا لملامسة الأشياء الملوثة والغبار والأتربة والقاذورات، ثم إن كثيرًا من الأشياء التي تسبب المرض التي تدخل الفم لا تدخل عادة إلا عن طريق الأيدي، فإذا كان الإنسان يداوم على غسل يديه كما هو حاصل في الوضوء وكذلك في غسلها قبل تناول الطعام كانت الوقاية الصحية في ذلك أحسن وأكثر فائدة.
وفي غسل الرجلين أثناء الوضوء وتكرير هذا الغسل ثلاث مرات في أوقات مختلفة نظافة للرجلين لما قد تتعرض له من ملامسة الأتربة والغبار والقاذورات لا سيما الأعقاب التي يعلق بها الأذى وقد حذر النبيّ الأعظم ﷺ من عدم إيصال الماء إليها أثناء غسل الرجلين في الوضوء لأنه يجب غسلها عند غسل الرجلين فقال عليه الصلاة والسلام: «ويل للأعقابِ من النار» رواه البخاري، ومن الحكم العظيمة في غسل الرجلين وتكرير هذا الغسل أن الرجلين تكونان عادة محصورتين داخل أحذية لفترات طويلة متفاوتة وهي عرضة غالبًا لآثار خاصة في الفصول الحارة لكثرة إفرازاتها، ومناسبة المكان الدافئ الرطب لتكاثر العفونات فيها فتنبعث منها بسبب ذلك روائح كريهة لا تزول عادة إلا بغسلها بالماء، ثم تكرار هذا الغسل.
وفي مسح الأذنين بالماء أثناء الوضوء نظافة للأذنين ووقاية صحية عظيمة لهما لعظيم أهميتهما في حياة الإنسان. وفيها إزالة للمادة الصمغية التي تتراكم داخل الأذنين فتسبب ضعف السمع وتحدث التهابًا لهما يكون ذا خطر كبير، إذ قد ينتشر هذا الالتهاب إلى الأذن الداخلية مسببًا اضطرابًا في توازن الجسم.
ولنا في مسح الرأس أثناء الوضوء ثلاث مرات وفي أوقات مختلفة حكم عظيمة وجليلة. ففي مسح الرأس بالماء أثناء الوضوء نظافة ووقاية للرأس وما عليه من شعر مما قد يصل إليه من قذر وأتربة وغبار قد تؤثر ضررًا في جلد الرأس وشعره وتسبب للرأس أضرارًا جسيمة وفي مسح الرأس بالماء تمرين عملي للجسم على مصادمة الهواء فلا يمرض الجسم بعد ذلك عند مصادمة شدة الهواء وقوة الرياح، ولا يُصيب الإنسان السعال، ولا ترمد بذلك عيناه، وغسل الرأس وتعريضه للهواء لوقايته من كثير من الأمراض وتنظيفًا للشعر وقد قال النبيّ الأعظم ﷺ: «من كان له شعر فليكرمه» رواه أبو داود.
وفي مسح الرأس أيضًا وما عليه من شعر إزالة للعرق السام الذي قد يحدث أضرارًا كبيرة على الرأس إذا ما تراكم على جلدة الرأس وشعره بسبب عدم نظافته.
ومن الملاحظ عند التحدث عن الوضوء وأمور الطهارة أن الإسلام يحض ويؤكد على الطهارة ونظافة الأبدان وخاصة الأعضاء المكشوفة منه التي هي عرضة عادة للتلوث من الأوساط الخارجية لذلك شرع الله تعالى لنا الغُسْل لأمور كثيرة. وكذلك الوضوء وإزالة النجاسة كالبول والغائط من مخرجها وإنقاء المحل منها باستعمال الماء ونحوه بعد قضاء الحاجة وفي كل ذلك رمز للنظافة والطهارة ووقاية صحية للجسد من التلوث وما يسببه من أمراض، وفي ذلك أيضًا تحسين لمظهر الإنسان وصورته وطيب رائحته عند أهله وزوجته، وكذلك في المحافل والاجتماعات العامة، وكذلك في مواطن التجمع مع إخوانه لأداء العبادات كيوم الجمعة والعيدين وغيرهما مما يجلب الألفة والمحبة والمودة بين أفراد المجتمع عامة وعند أهله خاصة.