أطمح وأحبُّ دائمًا تجربة الأمور التي لم أعهدها من قبل، وإخالُ نفسي في أماكن كثيرة غير مألوفة، كبيتٍ في وسط الغابة، أو غرفة على شجرة، أو خيمة في أعالي الجبال…
وفي هذه المرّة بدا لي بصيص أمل بتغيير ما ألفته وخوض رحلة لم أخضها قبل…
طُلِبَ مني أن ألتحق بمخيم «مهارات الحياة لصيف 2019» الذي أقامته المفوضية العامة في جمعية مرشدات المشاريع تحت شعار «مرشدات المشاريع.. مشاريع مدى الحياة» في مدينة بعلبك لكتابة تقرير عن هذا المخيم، في البداية تحمّستُ كثيرًا لهذه المهمّة، ولكن شيئًا فشيئًا استصعبت الأمر!
استصعبتُ فكرة أن أترك البيت لثلاثة أيام!
أن أتشارك الغرفة مع العديد من الفتيات،
أن أترك ما اعتدتُ عليه وما رتّبتهُ في غرفتي،
أن أنام في «كيس النوم» وليس في سريري!
لكن قرَّرتُ أن أكتسب مهارات جديدة! وأن أغيّر بعض عاداتي وأستمتع بتجربة جديدة لأتعلّم منها ما أستطيع… وبالفعل جاء اليوم الذي نريد الانطلاق فيه إلى بعلبك… كان التجمّع في بيروت عند الساعة الثامنة صباحًا، وصلتُ إلى المكان المحدّد للانطلاق وما زال قلبي ينبض بسرعة خوفًا من هذه التجربة! ولكن سرعان ما تحوَّل هذا الشعور إلى سرور وراحة بعد الاختلاط بالفتيات والقائدات اللطيفات…
انطلقنا في الموعد المحدد، بدأنا بالتحصين وقراءة دعاء السفر جماعةً، وبدأنا بالمدائح النّبويّة والكشفية الحماسية إلى أن وصلنا إلى محطتنا الأولى رأس العين… دخلنا إلى حديقةٍ كبيرة وكانت القائدات يدرّبن الفتيات على نشاطات كشفية متعددة وأناشيد وصرخات كشفية… بقينا تقريبًا ساعة في الحديقة والسرور والفرح يغمر القلوب، ثم انطلقنا إلى ثانوية الصلاح الإسلامية التي تمّ تشييدها في عهد رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ الشهيد نزار حلبي رحمه الله تعالى والتي تمّ افتتاحها في عهد الخلف الصالح سماحة الشيخ حسام قراقيرة حفظه الله تعالى. دخلنا إلى الصفوف المجهّزة لوضع أغراضنا فيها، وكانت نظيفة ومريحة جدًّا، وكان الغداء في هذا الوقت قد جُهّز، فنزلنا إلى القاعة وتناولنا الطعام الشهيّ! بعد ذلك ذهبنا للوضوء وصلاة الظهر جماعةً في المسجد، أعقبه درسٌ دينيٌّ في الفرض العينيّ، وكذلك فعلنا لصلاة العصر جماعةً في المسجد، ثم نزلنا مجددًا إلى القاعة وتمّ تقسيم الفتيات إلى مجموعات صغيرة، وتوجّهنا إلى الملعب وبالتحديد إلى «ساحة العلم» لرفع العلم وإعلان افتتاح المخيم حيث دعت قائدة المخيم قائدتين لرفع العلم اللبناني وعلم جمعية مرشدات المشاريع مع تأدية التحية الكشفية، ومن ثم اتجهنا إلى الصفوف لتلقّي المحاضرات التعليمية والتطبيقية المتنوعة التي تناولت ستة موضوعات وهي:
فنون وأشغال يدوية- إسعافات أولية- تغذية وصحّة- أناشيد وأهازيج- الخريطة الذهنية- كيفية التوقّي من الحوادث المنزلية.
كانت الأجواء جدًّا جميلة ضمن هذه المحاضرات، وشعرتُ حقيقةً بانسجام الفتيات مع القائدات وفرحهنّ بما يكتسبن من مهارات ومعلومات.
بعد هذه المحاضرات النافعة استرحنا قليلًا وتوضأنا لصلاة المغرب وقرأنا أوراد التحصين وصلينا، بينما كان طعام العشاء قد أُعِدَّ لنا.
وبعد صلاة العشاء ذهب الجميع للنوم بعد ذلك اليوم المتعب والجميل!
وبدأ نهارٌ جديد آخر، استيقظنا أو لأكون صريحةً أكثر «أُوقِظنا» عند الساعة الرابعة والنصف فجرًا لصلاة الفجر جماعةً في المسجد والتحصين وتلقّي الدرس الدينيّ، وعند الساعة السابعة صباحًا نزلنا إلى الملعب لعمل التمارين الصباحيّة! وسط ضحك ولعب وسرور عمّ القلوب.. وبعد التمارين بالتأكيد شعر الكلّ بالجوع، فتوجّهنا لتناول طعام الفطور… تخلّل ذلك النهار محاضرات عديدة وأنشطة تدريبية وترفيهية، منها التدريب على العادات السبع للناس الأكثر فعالية، وكان لذوي الخبرة دور بارزٌ في إعطاء محاضرات عدّة منها: معرفة كيفية دخول أوقات الصلوات، ومحاضرة استعمال المزولة والساعة الشمسية والاستدلال بالنجم القطبي لمعرفة الجهات… وبعد صلاة العصر تمَّ التوجّه إلى المسبح! حيث نُظّمت محاضرات عملية وتدريبية على طرق السلامة أثناء السباحة وبعض طرق الإنقاذ.
بعد السباحة حان وقت سهرة النار التقليد الكشفي الرائع، تميَّزت السهرة بأداء المشاركات والقائدات الرائع والجميل وقُدّمت فيها بعض الأناشيد والفقرات المسرحية المعبرة عن التعاون والتعاضد وخدمة الآخرين.
كان لسهرة النار وقعٌ في قلوب الحاضرين من الأهالي والمشاركات أيضًا، وبالنسبة لي كانت المرة الأولى التي أحضر فيها هذه السهرة الكشفية المميّزة وبالتأكيد أرغب بحضورها مرارًا…
أشعِليها أشعِليها فسرورُ القلبِ فيها..
في صباح اليوم الثالث والأخير انطلقنا نحو قلعة بعلبك برفقة مدير ثانوية الصلاح الإسلامية الأستاذ أيمن صالح الذي كان خير دليل لنا في بعلبك المدينة والقلعة، وبهذا النشاط اختتمنا المخيم.
كانت هذه التجربة من أجمل التجارب في حياتي، وفي طريق العودة تفكّرتُ في أمرين…
الأول: كيف أنني نمتُ على الأرض من دون مخدّة حتى، تُرى في القبر كيف ستكون ليلتي الأولى على التراب؟ فهلّا جهّزت لتلك الليلة؟…
والأمر الثاني: أنني فارقتُ أهلي وأنا أعلمُ أنني «إن لم أمت» سأراهم عندما أعود، ولكن سيأتي يوم ويفارقونني أو أفارقهم بلا عودة…
لن أنسى تلك الرحلة والشابّات والقائدات وكل من شارك وساهم في هذا المخيم الرائع… جزاهم الله خيرًا كثيرًا…
وإلى اللقاء في مخيّمات ونشاطات أخرى مع مرشدات المشاريع… مشاريع مدى الحياة…