تعالوا بنا نتوقف قليلًا ونلقي مرسى سفرنا في بحر العلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض، وليفكر كل واحد منا في أسلوب تعامله مع أهله وأصحابه وجيرانه وزملائه في العمل، وليراجع تصرفاته وخطواته وحركاته اليومية… ماذا ستكون النتيجة؟ لعلك ترى بَوْنًا شاسعًا بين الواقع والمطلوب، وتكتشف أنك كثيرًا ما تعامل الناس بخلاف ما تحب أنت أن يعاملك به الناس. وكثيرًا ما يكون الميزان عندك ما يسمى بـ «الإتكيت» الغربي أو اللباقة الغربية.
من قال إن اللباقة هي لباقة الغرب، ومن قال إننا بحاجة إلى استيراد عادات جديدة وسبل تعامل مختلفة؟! لماذا لا ننظر إلى تراثنا وتاريخنا العريق؟ لماذا لا نقرأ ما جاء في أخلاق النبيّ محمّد عليه الصلاة والسلام وأصحابه وأهل بيته الكرام والعلماء العاملين. كان رسول الله ﷺ في أعلى مرتبة وأرفع منزلة من الخُلُق القويم فهو أحسن الخلق خلقًا، وقد وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ سورة القلم. فكل خصلة خير أمر الله في القرءان بالتخلّق بها فهي من خُلُق هذا الرسول العظيم ﷺ. ولقد كان العفو خلقه، والصبر شيمته، وتحمل الأذى من الغير حاله. فما أحوجنا إلى أن نتعلّم من سيرة أعظم إنسان فنحسن أخلاقنا، ونرتقي بأدائنا إلى اللباقة الحسنة واللياقة المطلوبة، ونصبح من أصحاب القول الحسن والفعل الراقي.
إن اللباقة وحُسْن التصرف والخُلُق الحسن أمور يحبها الناس في حياتهم، كيف لا وهي شرف ومقام رفيع لا يصل إليه إلا المخالفون لأهوائهم…
من هنا نقول إن الجدير بالمسلم لا سيما الداعي إلى الله تبارك وتعالى أن يكون ذا خُلُقٍ حسن في تعامله مع الناس، ولبقًا مع من يدعوهم، فيعاملهم بالرفق واللين، ولا يترفع عليهم ولا يتكبر، ولا ينظر إلى نفسه بعين التعظيم وإلى الناس بعين التحقير.
روى الحافظ ابن عساكر الأشعري في تاريخه أن الخليفة الراشد عمر بن
عبد العزيز رضي الله عنه دخل مسجدًا في ليلة مظلمة وهو خليفة يتفقد الرعية، فمرّ برجل نائم فتعثَّر به وأيقظه من غير قصد، فرفع النائم رأسه وقال لعمر (يغلظ له في الكلام): أنت مجنون؟؟ فقال الخليفة عمر: لا. فهمّ الحرس به (أي كأنهم يريدون ضربه) فنهاهم عمر وقال: مَهْ، إنما سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا.
أيها المؤمن، انظر في أمر نفسك وفي أمر خلقك وتصرفاتك وتعاملك مع الناس… كن راقيًا في أخلاقك… كن سَمْحًا وعفيفًا… كن لينًا ولطيفًا… كن لبقًا في كلامك وأفعالك، وما أحلى هذا الرداء..