لـمّا بلغ المصطفى أربعين سنةً تحديدًا أتاه أفضل الملائكة ورئيسهم جبريل عليه السلام وهو مختلٍ بغار حراء وهو أول موضع نزل فيه القرءان، وكان ذلك في يوم الاثنين في شهر رمضان المبارك كما أخبر نبيّنا بذلك، فقد روى البخاري وغيره أن جبريل قال للنبيّ ﷺ: «اقرأ»، فأجاب نبيّنا قائلًا: «ما أنا بقارئ» فقال جبريل: «اقرأ» فقال نبيّنا: «ما أنا بقارئ» وأعادا ذلك ثالثةً، فقال جبريل عليه السّلام: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ سورة العلق، فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، وذلك من الخوف الطبيعيّ لا من الجبن، فإن النّفس مجبولةٌ على الخوف من مثل ذلك الأمر، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: «زمّلوني، زمّلوني»، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع، والتزميل التغطية، وذلك أن الخائف يستشعر البرد فيطلب الدّفء ليخفّ روعه. وقد وقفت السيّدة خديجة رضي الله عنها مع رسول الله موقفًا عظيمًا جليلًا فكانت تهدّئ من رَوْع نبيّنا عليه الصلاة والسلام، وتثبت له بالدليل بعد الآخر أنّ الذي جاءه إنما هو الحق من الله، وأن الله لا يخزيه لما فيه من خصال الخير والبرّ والمعروف فقالت له: «كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكَلّ، وتَكْسِب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ». ومعنى ذلك أن النبيّ عليه السلام كان من عادته أن يصل كل معدومٍ من فقيرٍ محرومٍ.