هو رسول الله محمّد عليه الصلاة والسلام، فقد ورد في حديث رواه الحاكم في المستدرك أن صحابيًّا نادى رسول الله ﷺ بابن الذّبيحين فلم ينكر عليه ذلك، وهو مع ضعفه إلا أنّه اشتهر ذكره بين أهل السّير، وأما الذّبيحان فالأول منهما إسماعيل بن إبراهيم وهو المشهور بإسماعيل الذّبيح، وأما الآخر فهو عبد الله أبو النبيّ ﷺ. وقصّة ذلك أنّ جدّ النبيّ ﷺ واسمه عبد الـمطّلب أراد أن يحفر بئر زمزم لأهل مكة بعد أن اختفى الماء مدة طويلة، فلم تُعاونه قريشٌ على ذلك، وكان له ولدٌ اسمه الحارث، لم يولد له يومئذٍ غيره. فلمّا مضى إلى ذلك وحفر البئر واستخرج الماء، لقي من قريشٍ من الأذى ما لقي، حتى تمنّى لو كان له عصبةٌ من الأولاد وجمعٌ منهم يدافعون عنه ويحمونه ويساعدونه في أموره، فنذر نذرًا كما كانت عادة الجاهليّين أن يذبح آخر أولاده إن رزق عشرة أولاد، وكان عبد الله والد نبيّنا عليه الصلاة والسّلام أصغر أولاده وأحبّهم إليه، فأخذه عبد المطلب بيده ليذبحه وأخذ الشفرة، فلمّا رأته قريشٌ قامت إليه وقالوا: ماذا تريد يا عبد المطّلب؟ فقال: أذبحه، فقالت له قريش وبنوه: لا تذبحه أبدًا، إذا فعلت هذا اتّخذ الناس ذلك عادةً في ذبح أبنائهم! وأشاروا عليه أن يقصد عرّافةً ليسألها في هذا الأمر، فإن أمرَتْه بذَبْحِه ذَبَحَه، وإن أمرتْه بأمرٍ فيه فرجٌ قَبِلَه.

فانطلقوا إليها حتّى وجدوها فسألوها، وقصّ عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه ونذره الذي نذره، فقالت لهم: كم الدّية فيكم؟ قالوا: عشرٌ من الإبل. قالت: فارجعوا إلى بلادكم، ثم اقترعوا قرعةً، تجعلون في هذه القرعة سهمين، سهمًا لعبد الله وسهمًا لعشرة من الإبل، فإن خرج سهم عبد الله فزيدوا من الإبل عشرًا، وإن خرج سهم الإبل فانحروها عنه. فخرجوا حتى قدموا مكة، فلمّا اقترعوا خرج سهم عبد الله، فزادوا عشرًا من الإبل فصارت عشرين، واقترعوا ثانيةً فخرج سهم عبد الله مرّة ثانيةً فزادوا عشرًا من الإبل فصارت ثلاثين، وهكذا يخرج سهم عبد الله حتّى بلغت الإبل مائةً فخرج سهم الإبل فذبحت بدل ذبح عبد الله، فسمّي بالذبيح.

فائدة: ما ذكر في قصّتنا من أمر النّذر هو شىء كانت العرب تفعله في الجاهلية، وجاء نبيّ الرحمة محمّدٌ عليه الصّلاة والسّلام ليمنع هذا، فإنّ النّذر في شرعه عليه الصلاة والسّلام لا يكون إلا في عبادةٍ وقربةٍ فحسب، أما ما كان حرامًا أو مذمومًا بل ومباحًا فلا نذر فيه.