الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

لقد بعث الله سبحانه وتعالى جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام هداة مهديين، دينهم واحد هو الإسلام، يؤمنون ومن اتبعوهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى. وقد زيّنهم الله بالإيمان الكامل وبالأخلاق الحميدة وجعلهم أفضل العالمين قاطبة.

هؤلاء الأنبياء هم دعاة المبادئ العظيمة الراقية التي أشرقت لها الدنيا، وبالمفهوم السائد حاليًا لمعنى الحضارة تعتبر هذه المبادئ قمة الحضارة، وهي حضارة المعاني قبل المباني.

لقد نشر الأنبياء الرحمة والعدل بين الناس، قال تعالى في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)﴾ سورة الأنبياء، والرحمة والعدل من أهم مظاهر الحضارة “بمفهومها واستعمالها اللغوي الحديث” التي أرساها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ويكفي أنهم جاءوا لإخراج الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن المعاناة في الدنيا والآخرة إلى الراحة الأبدية التي لا نهاية لها.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46)﴾ سورة الأحزاب.

فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو مثال عظيم عن أنبياء الله تعالى فقد رفع الضيم والقهر عن المظلومين والمقهورين، ونصرهم على الظالمين، حتى لو كان هؤلاء الظالمون من أصحاب المال والسلطة والموقع الاجتماعي المتقدم عند الناس. فالمعيار في الإسلام هو معيار الحق والعدل، والتفاضل يكون بالتقوى وليس بكثرة المال وغيره من حظوظ الدنيا، والشعار الإسلامي الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع المصلحين والحكام العادلين على مدى الأزمان هو قوله تعالى في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ سورة الحجرات/13.

إن الرحمة هي من أعظم مضامين ومكامن الرقي التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد ثبت في الحديث الذي رواه البيهقي أن امرأة دخلت النار في هرة -أي بسبب هرة- حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعًا، دخلت النار لأنها لم ترحم هذه الهرة.

وثبت في الصحيح أيضًا أن امرأة مسلمة من بني إسرائيل كانت تؤمن بأحد أنبياء بني إسرائيل ولكنها كانت بغيًا -تزني بالأجرة-، رأت ذات يوم كلبًا يلهث من شدة العطش فنزعت موقها أو جرموقها -حذاءها- ثم نزلت إلى البئر وملأت حذاءها ماء ومسكته بفمها وصعدت وسقت الكلب فغفر الله لها ما كان من الزنى.

فانظروا إلى حالة امرأتين مؤمنتين إحداهما دخلت النار بسبب قسوتها على هرة، والأخرى غفر الله لها ما كان منها من زناها السابق وتقاضيها على ذلك أجرة بسبب رحمتها لذلك الكلب، هذا من عظمة الإسلام، وقد وقف نبينا الكريم على مشارف مكة يوم فتحها، وكان أهلها قبل ذلك قد قاتلوه وأصحابه وعذبوهم وأخرجوهم من ديارهم، فقال لهم نبي الرحمة: صلى الله عليه وسلم: “ما ترون أني صانع بكم؟” قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” رواه البيهقي.

ومن مظاهر هذه الرحمة أن أعرابيًا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاجأ به فارتعد خوفًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هوِّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد” رواه الحاكم في المستدرك، والقديد هو اللحم المجفّف تحت الشمس.

وبهذه الأخلاق العظيمة انتشرت الفتوحات العظمى حيث قال أحد المستشرقين: “ما عرف التاريخ فاتحًا أعظم من المسلمين” فالمسلمون فتحوا القلوب قبل أن تفتح لهم الحصون والقلاع.

وهذه أندونيسيا أكبر بلد إسلامي على ظهر الأرض في عصرنا لم يفتحها المسلمون بالجيوش الجرارة بل بطهارتهم وصدقهم ووفائهم، انطلق تجار حضارمة من حضرموت ووصلوا أقصى الشرق الآسيوي إلى أندونيسيا وماليزيا وغيرها، فدخل أهلها في الإسلام بسبب حسن معاملة المسلمين وعدم غشهم وشفافيتهم في التعاطي والتعامل التجاري وغير ذلك.

 

إخواني، انظروا إلى ما تشهده بلادنا وما يحصل باسم الإسلام من ذبح وتكفير عشوائي وإرهاب فظيع ضد الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ  لا يعبر عن حقيقة الإسلام ولا طبيعة المسلمين لا من قريب ولا من بعيد.

فهل من عنده مُسكة عقل يعتقد أن مسلمًا حقيقيًا ملتزمًا يذبح طفلًا ويستبيح الأموال والحرمات ويدمر المقامات والمساجد ويرتكب المجازر بقتل الأبرياء؟!! فوالله إن الإسلام بريء من كل ذلك براءة الذئب من دم يوسف.

وفي ظلال المولد النبوي الشريف، وما نشهده في وقتنا الراهن، خاصة في مجال تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب البغيض، يجدر التذكير أن الإسلام بريء من كل ضعف تشهده الأمة، وبريء من التطرف الذي يزرع الفساد والخراب.

إنّ تنامي التطرف باسم الإسلام ينسجم مع ما يخطط له أعداء الأمّة ذلك أن ما يقومون به يؤدي إلى الفوضى والضعف وزرع الفتن، وهذا ما يريده أعداء الإسلام.

إن التطرف غريب عن الإسلام والمبادئ العظيمة التي دعا إليها رسولنا الكريم، وظاهرة خطيرة تدمر المجتمعات والأوطان، وحال زماننا كما وصفه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي” رواه الترمذي.

وأختم بقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ سورة الرعد/17. والحمد لله رب العالمين. █