الحمد لله الذي له العزة والملكوت والصلاة والسلام على من له أحسن الصفات والنعوت وعلى آله وصحبه الذين آمنوا بالله وكفروا بالطاغوت.

حرمة استعمال أواني الذهب والفضة 

أما بعد فقد انتشر في هذا الزمان وخاصة بين الموسرين من الناس استعمال أوانٍ من ذهب أو فضة وتراهم يتفاخرون بذلك ويتباهون، ألا يعلمون أن هذا مما نهى عنه الشرع؟! فقد قال عليه الصلاة والسلام: “الذي يشربُ في إناءِ الفضةِ إنما يُجَرْجِرُ في بَطنِهِ نارَ جهنَّم” متفق عليه. ومعناه يلقي الشراب في بطنه بجرع متتابعة يسمع لها جرجرة، وهو الصوت الذي يتردّد في الحلق، وإنما سمي نارًا لأنه يؤول إليها.

فبعد سماع هذا الحديث الذي فيه الوعيد بالعذاب في النار لمن يفعل هذه المعصية كيف يتجرأ بعض الناس على استعمال آنية الذهب والفضة، بل قال بعض الفقهاء بحرمة اتخاذها ولو لم يستعملها لأن اتخاذها يجرُّ إلى استعمالها، كاتخاذ مجمرة من ذهب أو فضة للتبخير وتطييب المنازل أو أمشطة للشَعر أو آلات لتخليل الأسنان أو ملاعق وأكواب ومسابح وغير ذلك من ذهب أو فضة، وحرمة ذلك على الرجال والنساء.

وقد نصّ في الحديث على حرمة استعمال آنية الفضة وهذا يشمل آنية الذهب أيضًا فإن الخيلاء فيه أشد، ففي حديث البخاري “لا تشرَبُوا في آنيةِ الذهبِ والفضةِ ولا تأكلوا في صِحَافِهما” وكذا اتخاذها لأن فيه كسرًا لقلوب الفقراء، فالفقير الذي لا يملك ما يسد به رمقه إذا رأى الغني يتخذ الأواني المصنوعة من الذهب والفضة المنطبعة المهيأة للاستعمال ويتفاخر بها ينكسر قلبه ويتأذى، بخلاف غيرها من الأواني النفيسة، فلا يحرم اتخاذها ولا استعمالها لعدم ورود الشرع بتحريم استعمالها كإناء من ياقوت، فإنه وإن كان نفيسًا لكن الفقير قد لا يعرف نفاسته.

حكم ضَبَّة الذهب والفضة

أما المضبّب فهو الإناء الذي أصابه شقٌ ففعل له ضبّة من ذهب أو فضة أو غيرهما من المعادن حتى لا يتسرب من الإناء شىء، وقد كان  يُفعل التضبيب في الماضي. وحكم الضَبّة أنها إن كانت من ذهب حرمت، سواء كانت الضَبّة صغيرة أم كبيرة. أما الضَبّة التي هي من فضة إنما تحرم إن كانت كبيرة عرفًا لغير حاجة، كأن كانت لزينة. أما إن كانت كبيرة لحاجة أو صغيرة ولو لغير حاجة بل لزينة مثلًا فلا يحرم اتخاذها بل يكره.

أما الضَبّة التي ليس في اتخاذها حرمة ولا كراهة فهي ضبة الفضة الصغيرة عرفًا التي فعلت لحاجة، فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن قَدَحَ النبي عليه الصلاة والسلام انكسر فاتخذ مكان الشَعْبِ سلسلة من فضة، أخرجه البخاري، والشَّعْبُ هو مكان الصدع والشّقّ الذي فيه.

أما الإناء الذي ليس من ذهب أو فضة وإنما طلي بأحدهما، كإناء من نحاس مثلًا طلي بذهب أو فضة، فإن كان الطلاء كثيرًا بأن كان يحصل من الطلاء شىء بعرضه على النار فهذا يحرم اتخاذه، أما إن كان الطلاء خفيفًا بحيث لو عرض على النار لا يحصل من الطلاء شىء فهذا لا يحرم اتخاذه.

وأما إناء الذهب أو الفضة الذي طلي بغيرهما كأن طلي بنحاس، فإن كان الطلاء كثيرًا بحيث يحصل من الطلاء شىء بعرضه على النار فهذا لا يحرم اتخاذه أما إن كان خفيفًا فيحرم.

وليجعل ذو الفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب عينيه، حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: “لا تشرَبُوا في آنيةِ الذهبِ والفضةِ ولا تأكلوا في صِحَافِهما فإنّها لهم في الدُّنيا ولكم في الآخرة” رواه البخاري، وقوله: “فإنّها لهُم في الدُّنيا” أي للمشركين.

فلا ينبغي أن تجرَّنا الدنيا وملذاتها إلى معصية الخالق الذي أنعم علينا بنعم لا نحصيها، ولنتذكر دائمًا قوله عليه الصلاة والسلام: “اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة” ومعناه أن الحياة المطلوبة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة، فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث القدسي فقال: “يقولُ الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذنٌ سمعتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَر”.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)﴾سورة الحديد.

فهل تعمل لدار لا يدوم نعيمها وتغفل عن دار البقاء؟!!

لا تنسَ يا أخي المسلم أن هذه الدنيا فانية، وهي كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه:

وغرورُ دنياكَ التي تَسعَى لها

 

دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ

والليل فاعلم والنهار كلاهما

 

أنفاسُنا فيها تُعدُّ وتُحسَبُ

وجميعُ ما حَصّلتَه وجمعتَه 

 

حقًّا يقينًا بعدَ موتِك يذهبُ

تبًّا لدار لا يدومُ نعيمُها

 

ومَشيدُها عمّا قليلٍ يخربُ

ربنا تقبّل منا ما قدمناه من العمل الصالح، ولا تؤاخذنا على ما وقع منا من الزلل، وبوّئنا بكرمك وَجُوْدك جنّات النعيم، ومتّعنا اللهم بالعافية في هذه الدّنيا ما أحييتنا، والعفو في الآخرة عما سلف منا، ووفّقنا دائمًا لما تحبه وترضاه في القول والعمل والنّية، واحشرنا في زمرة سيد البرية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، آمين. █