تنبيه: ليعلم أن المراد بالحيوية في هذه المقالة هو ما فيه نمو وتكثّر لا على معنى أن فيه روحًا. 

“كم أنزعج من الزكام! لم أعد أستطيع العمل، أشعر بإرهاق شديد”، “سهى! إنك على هذه الحالة منذ أسبوع، ألست تأخذين أية مضادات حيوية؟!”، “بلى، لكن شيئًا لم يتغير، يبدو أنني سأضطر إلى زيارة الطبيب اليوم”. نعم سيدتي، عليك بذلك، فالمضادات الحيوية Antibiotics ليست الحل دائمًا! 

إن أجسامنا تتعرض في حياتنا اليومية للعديد من الأمراض الناجمة عن أوبئة أو عناصر خارجية كالفيروسات والبكتيريا والفطريات والطفيليات… إلا أن تغير المسبِّب يدفع بنا إلى تغيير أسلوب علاجه، ولذلك سيدتي ليست المضادات الحيوية الحل الدائم. واكتُشفت المضادات الحيوية عند بعض الكائنات الدقيقة مصادفة، بعد أن تراكم العفن، نوع من الفطريات، على زراعة بكتيرية فمنعها من النمو. وباتت في ما بعد مادة تستخدم لمحاربة البكتيريا بشكل فعال حتى انتشرت في الأسواق بأنواع مختلفة وأسماء متعددة تصنع كيميائيًا وتعرف تحت اسم Antibiotic.

كيف تعمل هذه المواد؟

بعد أن أوضحنا أن هذه المضادات الحيوية لا تعمل إلا على البكتيريا، علينا أن نوضح أن البكتيريا تتشكل بالأساس من الخارج إلى الداخل، من: الجدار غشاء السيتوبلازم الذي يضم بداخله سيتوبلازم الخلية والحمض النووي إضافة إلى أمور أخرى كثيرة. ولا بد من معرفة ذلك لفهم كيفية عمل المضادات الحيوية في معالجتنا من البكتيريا.

ينقسم عمل المضادات الحيوية إلى قسمين: فمنها ما يمنع تكاثر البكتيريا، ومنها ما يسبِّب تدمير البكتيريا، وهناك أنواع ما بين بين يكون تأثيرها معتمدًا على كمية الجرعة ومدتها. القسم الأول يعمل إجمالًا على منع تركيب البروتينات الضرورية للنمو الطبيعي للبكتيريا فيوقف نموها وتكاثرها في الجسم، أما النوع الثاني فهو إما أن يعمل على تدمير ومنع تركيب الجدار الذي هو ضروري لنمو البكتيريا، وإما أن يعمل على تدمير الغشاء السيتوبلازمي أو الحمض النووي للخلية البكتيرية. وبعضها يعمل على إيقاف إنتاج الأحماض النووية DNA وRNA فيكون تأثيرها معتمدًا على قوتها وكمية الجرعات.

لِمَ لَمْ ينفع سهى المضاد الحيوي إذًا؟

كثير من الناس يتسرعون باللجوء إلى المضادات الحيوية عند أي زكام أو رشح أو التهاب يصيبهم مع العلم أن معظم الالتهابات وأن الرشح والزكام لا دخل للبكتيريا به بل سببه فيروسي بحت، وبالتالي فإن المضادات الحيوية لا تنفع فيه ألبتة، بل قد تكون الأضرار الناجمة عن تعاطيها شديدة. تذكُرون أننا كنا قد تحدثنا في العدد الماضي عن البكتيريا الحميدة أو الصديقة Probiotics وأن وجودها في أجسامنا يساعدنا على العيش بتوازن وصحة وأن انخفاض نسبتها يعطي فرصة للجراثيم بالتكاثر والتسبب بالعديد من الأمراض وخاصة أمراض الجهاز الهضمي والمهبلي… حسنًا، نحن بشكل عام عندما نستعمل المضادات الحيوية من تلقاء أنفسنا نستعمل تلك التي لا تميز بين نوع بكتيري وآخر فنساهم بالتالي في تدمير جزء كبير جدًّا من البكتيريا الحميدة دون أن نؤثر بأي شكل على تفاقم المرض الذي نريد التخلص منه أصلًا. فما الحل؟!

الحل

أن لا نلجأ إلى المضادات الحيوية إلا بعد استشارة الطبيب المختص. وذلك لأنه:

أولًا: معظم الالتهابات التي تصيبنا ليست بكتيريا “خاصة الزكام والرشح” كما تقدم.

ثانيًا: من المطلوب أن يلجأ الطبيب إلى عملية زرع يتأكد بعدها من نوع البكتيريا التي يتطلب الأمر علاجها فيصف المضاد الحيوي المناسب والأكثر دقة بعيدًا عن المضادات الحيوية ذات النطاق الواسع والتي تدمر معظم الأنواع البكتيريّة على حد سواء فتخلصنا من البكتيريا الحميدة قبل الضارة.

ثالثًا: لا بد عند تعاطي أي مضاد حيوي من معرفة الجرعة “الكمية المحددة التي ينبغي أخذها”، المدة، والأوقات بشكل دقيق.

وقد كان اكتشاف المضادات الحيوية على الرغم من عوارضها الجانبية نقلة نوعية في عالم الطب الحديث وعلم البكتيريا. ولكن بات اليوم، في بعض الحالات، من أخطر الوسائل التي تسير بنا إلى زمن قد نعجز فيه عن التخلص من أي بكتيريا كان تدميرها من أسهل الأمور في الماضي. لكن الله جعل في البكتيريا خصائص بحيث يتغيّر ويتحول حمضها النووي فتكتسب خصائص جديدة تقوّي مناعتها ضد هذه العقاقير وقد تنتقل إلى غيرها من البكتيريا، ومن أخطرها اكتساب المناعة ضد المضادات الحيوية.

يعاني المجتمع الطبي منذ سنوات عدة من خوف الوصول إلى وقت تتكاثر فيه الأمراض البكتيريّة ولا يجدون فيه طريقًا للتخلص منها إذ إنه ومنذ نحو 5 سنوات باتت بعض الأنواع البكتيريّة، والتي كان بالإمكان التخلص منها باستعمال أي من المضادات الحيوية على اختلاف أنواعها، قادرة على مقاومة معظم المضادات الحيويّة وبعضها قادر على مقاومتها كلها… اكتسبت مناعة ضد هذه المضادات الحيوية، ما عادت تؤثر بها ألبتة. فالخطرُ كبيرٌ ولا بد أن نكون أكثر وعيًا عند تعاطي هذه الأدوية.█