ضربت بكفّها الطّاولة فتطايرت الأوراق وتدحرج القلم، وقفت بغضب ورفعت السّبّابة لتحذر الحاضرين. دخل النّاظر الغرفة لتهدئة النّفوس. تمسّكت المعلّمة برأيها وعارض الوالد والوالدة ما قيل وحصلت المشكلة…
مهلًا! مهلًا! نعم إنّ تلقّي الشّكاوى أو التّعليقات غير البنّاءة من الأهل يثقل أحيانًا كاهل المعلّمة ويفقدها في بعض الأوقات الثّقة لا سيّما إذا انتشرت تلك الملاحظات بين الأهل والمعلّمات أو تجاوزت أصحاب الشّأن لتصل إلى المدير أو المنسّق.
صحيح أن شكاوى الأهل قد ترهق المعلمة وتعكّر عليها صفو أدائها لكنّ الطّريقة المثلى هنا لمعالجة الخلاف هي الإصغاء بعناية لما يقال وحلّ الخلاف وطرد القلق والخوف واستعادة الثّقة بالمعلمة والبرنامج التّعليميّ فسمعة أيّ معلّمة فائقة الأهمّية واهتمام الأهل بمصلحة ولدهم مهمّة كذلك. ولتفادي الصّورة المبتدأ بها ولأنّ محور اهتمام المعلمة والأهل مشترك -الذي هو التّلميذ- لا بدّ من خطوات:
- التخطيط
عند الأسبوع الثّاني من بداية العام الدراسيّ أرسلي للأهل نسخة مفصّلة لكن سريعة القراءة- تتطلّب عشر دقائق تقريبًا -عن نظامك الصّفيّ وسياسة الذّهاب إلى بيت الخلاء ونظام تأدية الوظائف المتوقع من ولدهم تطبيقها لأنّ المشاكل غالبًا ما تتمركز حول الأمور الثّلاثة تلك. وأرفقي في آخر النسخة حقلًا مخصّصًا مخطّطًا لتوقيع الأهل والأولاد. بيّني أنّ المقطع ذاك لا بدّ من توقيعه وإعادته إلى المعلمة بعد فصله عن النّسخة والاحتفاظ بها كمرجع.
- التواصل
أرسلي للأهل في آخر كل شهر تقريرًا عن أداء ولدهم الصّفيّ يتضمّن فقط ما يحتاجونه من وقائع لمتابعة المستجدّات. واطلبي أن يوقّع التّقرير ويعاد، عندها أرفقيه في ملف الطالب. التقارير هذه بالغة الأهميّة وتملأ بسرعة كما أنها تستبعد الأسئلة والعبارات التّالية: “لم لم تعلميني أنّ ابني عمل كذا؟” “ولِمَ لم تعلميني هذا عن ابنتي!” وغيرها وتحافظ أيضًا على التّواصل سليمًا وصحّيًّا.
- الانفتاح
لا ضرر من دعوة الأهل إلى النّشاطات المنهجيّة والّلامنهجيّة لأنّ ذلك يظهر انفتاحك وثقتك بما تطبّقين ويتيح للأهل فرصة المشاهدة المباشرة لأحداث الصّفّ وسير العمل.
4. الوضوح
إيضاح الفكرة للأهل بأنّ هدفك يصبّ في خانة “مصلحة ولدهم” وهو ما يريدونه تمامًا. عندها وبعد استيعاب الفكرة والتّيقّن بأنّ الأمر ليس مسئلة شخصيّة بينك وبينه، مدّي يد العون لهم وساهموا معًا بمساعدة التّلميذ. واعتمدي البساطة كذلك في وضع سياسة العمل “درس، وظيفة، امتحان…” كي تقلّلي من سوء وضعف فهم الأولاد والأداء الضعيف بالتّالي إلقاء حمل تفسير الدروس والوظائف من جديد على عاتق الأهل.
- الإحساس
ليطفُ إحساسك المرهف على سطح النّقاش فتلميذك هو فلذة كبد أحدهم فاعتبريه كابنك! لذا عند النّقاش ابدئي بالنواحي الحسنة في شخصيّة الطّالب وأظهري أوّلًا الجيد مما عنده من المهارات ثمّ حدّدي مواطن الضّعف. واحذفي من مرادفاتك كلمات السّخرية والتّهكّم والنّقد الهادم.
6. التوثيق
وثّقي نقاط الحوار الرّئيسيّة بينك وبين الأهل لأنها تسهّل لك متابعة ما يتطلّب العمل على تحسينه فلديك من الأمور ما يشغلك على مدار العام كلّه. خصّصي ملفًّا لكلّ طالب وضعي اسمه وأهله مع التّوقيت الزّمني “الساعة والتاريخ” لكلّ مقابلة. وإذا ما تضمّن العمل إرسال استمارات أو ملاحظات إلى الأهل مكتوبة فاحتفظي بنسخ منها وأرفقيها بالملفّ. ومن المستحسن إبقاء الملفّات في مكان يسهل ويسرع سحبها لمتابعة أفضل للشؤون.
- المناقشة
إعلام الأهل مباشرة عند طروء أيّ مشكلة تربويّة أو سلوكيّة مع ولدهم وعدم الانتظار أو التّأجيل لشهر كما ذكر في -2- ولا شك أن ذلك يعتمد على طبيعة الحدث ذاته. ومن الأشياء الّتي تناقش مع الأهل:
- 1. نقاط القوّة عند الطّالب.
- 2. أداؤه داخل غرفة الصّفّ.
- 3. مستواه التّعليميّ.
- 4. ما يواجهه من صعوبات وبأيّ حقل تكمن.
- 5. كيفيّة مساعدته في المنزل.
- 6. مدى توافقه مع أقرانه.
- 7. الفترة الزمنّية التّي يحتاجها لإتمام وظائفه.
- 8. الفرصة المتاحة للأهل لطرح أي استفسار أو توضيح أيّ غموض.
- الأمثلة
إعطاء الأمثلة للأهل عن المستويات التّعليميّة المختلفة في الصف: أعمال الأولاد فوق المستوى ودون المستوى… بعد مسح الأسماء بالطّبع حيث إنّ مقارنة تلميذ بآخر ليست المقصودة من الأمور بل إرشاد الأهل لما تتوقّعه المعلّمة من ولدهم.
9. التروي
التّأنّي في الإجابة عن أي سؤال يطرح لتلافي الإحراج، حتّى لو أعطيت الإجابة بعد يوم أو يومين فلا بأس.
10. اللياقة
عدم التّردّد في إنهاء أيّ نقاش مع الأهل عند تجاوزهم حدود الّلياقة. إذ أحيانًا يحتاج كلا الطرفين إلى فسحة من الزّمن لتهدئة النفوس. وإذا ما شعرت بالقلق أو التهديد بإمكانك دعوة المنسق أو الناظر إلى حضور الاجتماع القادم.
11. الدقة
الترّكيز على مصلحة الطّالب وعدم الانجراف في محادثات شخصيّة أو شؤون خاصّة لك أو لهم فلست أنت بمعالجة نفسيّة ولا هم كذلك. فالأفضل إذًا مناقشة نقاط الجلسة فقط وعدم الاستطراد لأنّ الوقتَ سيفٌ إن لم تقطعه قطعك.
12. الاعتناء
الابتعاد عن مناقشة خلافات الأهل مع غيرهم ممن يقطنون الحيّ ذاته ويتشارك أولادهم الصّفّ. لذا أوضحي لهم أنّ أيّ كلام في مثل الأحاديث تلك هو شأن لا تريدين الاستماع إليه أو الخوض فيه.
13. المرح
أضيفي المرح إلى الصّفّ بتطبيق بعض النّشاطات الممتعة فَرِضا الأولاد يعكس رضا الأهل.
“الحضارة” كلمة ثرية المعنى واسعة الأبعاد فعساها صفة تتّسم بها غرف منازلنا وصفوفنا. ويبقى السؤال: “أين نحن منها؟” █