قبل عشرات السنين… وهي ليست عشرات كثيرة… كانت في بلادنا خصال حلوة طيبة… كان الكبار يعلمونها للصغار….حبيبي إن رأيت رجلًا عجوزًا… ساعده في ما يحمل من أغراض.. إن كنت في الباص ورأيت امرأة كبيرة في السن… أجلسها مكانك… كانوا يعلّمون أولادهم أن يبدؤوا الجيران بالسلام… أن يقابلوهم بالابتسامة…
علموا أولادكم الخير
علّموا أولادكم الكرم مع الجيران من خلال إرسال طبق من الطعام عند الغداء أو العشاء لجيرانكم… علّموهم صلة الأرحام والعطف على المساكين والفقراء… وقبل كل هذا علّموهم دينهم العظيم… احرصوا على التزامهم حضور مجالس العلم… والتحلي بالأخلاق الحسنة التي بسببها تقرّب كثيرٌ من الناس إلى شرعنا الحنيف والتزموا بها… علّموا الشباب التحلي بالأخلاق الطيبة في منازلهم وفي الشوارع…. علّموهم عدم ارتكاب المحرمات وغض البصر وكف الأذى بكل أشكاله…. وألا يستعملوا نظرهم إلا في خير… ولا يمشوا إلى معصية… ولا ينطقوا بما يسيء إلى الآذان… وعلموا الفتيات الحياء والخجل… وكيف يتصرفن في الشارع… ماذا تفعل إن خاطبها أحد الشباب بكلام بذيء… كانت معظم الفتيات يخجلن من مجرد نظرة الشباب إليهن… ولا يدرين كيف يتصرَّفن…
ذهب الهواء بحيائها
أذكر منذ حوالي الأربعين سنة… حين كنت في المدرسة الثانوية… طلب منا أستاذ اللغة العربية أن نكتب موضوعًا عن فصل الشتاء… وكتب كل منا ما جادت به قريحته… وسلّمنا المواضيع للأستاذ… بعد يومين… دخل الأستاذ إلى الصف ونادى أحد الطلاب… يا مروان… قم واقرأ موضوعك لرفاقك في الصف… وقام مروان ليقرأ… وكان يصف فتاة على شاطئ البحر والهواء شديد… فقال إن الهواء حرّك ثوبها وقال ذهب الهواء بحيائها… وهنا كان موقفان… ضَحِك الطلاب… وصراخ الأستاذ… كيف تستعمل مثل هذه العبارات ألا تخجل…
كانت مدارس البنات كالقلاع لا يدخلها إلا أهلها… وكان الأهل في خارج المدرسة كالحرس ينتظرون بناتهن لإيصالهن إلى البيوت… كانت المجالس في البيت مجالس خير وبركة… يجلس الأب والأم والأولاد يتكلمون في ما حصل معهم هذا اليوم ويعملون على حل أي مشكلة طارئة…
وجاءت حضارة الإنترنت… وتغيرت أحوال الناس…
أذكر كلامًا قاله لي أحدهم مرة وهو يمسك بسكين… قال هذه السكين أنت تقودها لما تشاء… قد تستعملها في أمر عادي… لتقطع تفاحة مثلًا… وقد تستعملها في شر… كإيذاء مسلم… أنت تحرك السكين… حرّكها في ما لا يضر أو يؤلم…
وهكذا حضارة الإنترنت وما قبلها وبعدها… وما أصاب الناس من آثار ما يسمونه حضارة… ليس كل ما في هذه الحضارة سيئ… ولكن هناك بعض الناس يستعملون عناصر هذه الحضارة في أشياء تسيء لهم ولمن حولهم…
منذ سنتين تقريبًا قالت لي إحدى الطالبات هل أستطيع أن أسألك سؤالًا… قلت: نعم… قالت لي: متى أحببت لأول مرة؟… وقالت عن نفسها إنها أحبت أول مرة عندما كانت في الثامنة…
وحادثة أخرى… روى لي أحد الأساتذة… وهو مدرس في ثانوية للبنات… قال: رأيت إحدى طالباتي تركب الدراجة النارية خلف شاب غريب… شكله يدل على سلوكه غير السليم… قال لي زميلي أخبرت الإدارة بالأمر فاتصلوا بوالدة الطالبة يخبرونها عن سلوك ابنتها… فجاءت الأم للمدرسة تصرخ في وجه المديرة قائلة… بنتي حرة تتصرف كما تشاء… لعلها تجد عريسها… في الصف والمدرسة والشارع… في الطريق والمنزل…
الصغير والكبير… غالب هؤلاء الناس تجد في يده الهاتف الجوال أو الآيباد أو ما شابه… كم من حوادث حصلت بسبب الانشغال بالكلام على الجوال… كم من بيوت تفككت بسبب تلك الأبواب المسماة بالتواصل الاجتماعي… نساء يتركن بيوتهن وأولادهن لأنهن تعرفن على أحد المحتالين… ينال منها ما يريد ثم يتركها ويرحل… ورجال كذلك تخلوا عن الواجب عليهم تجاه أسرهم بسبب امرأة عابرة… كم من أطفال ضاعوا بسبب هذه الوسائل المسماة ترفيهية… تجتمع الأسرة في غرفة واحدة… لا يكلم أحدهم أحدًا من الموجودين بقربه والكل مشغول بشخص في الخارج…
روت إحدى الفتيات –ليلى- أن أمها كانت تعاملها بقسوة… كانت لا تجلس معها جلسة الأم مع ابنتها… بل إن أخطأت الفتاة تضربها أمها دون شفقة كما قالت… ثم لتبعدها عنها اشترت لها الآيباد لتتسلى بما فيه من ألعاب… وكانت لليلى رفيقة صارت تستعير منها الآيباد وتستعمله للدخول إلى أشياء غير أخلاقية… وكذلك تعرّفت ليلى من خلال إحدى وسائل التواصل الاجتماعي إلى شاب… التقط لها صورًا معينة… ثم صار يطلب منها ملاقاته وإلا أظهر صورها… ليلى حالة من حالات كثيرة مماثلة… هذه إحدى النتائج لسوء استعمال الحضارة والتقنيات الحديثة… بينما لو أَحْسَنَّا استعمال هذه الوسائل الحديثة لكان في هذا خير… نستعملها لتعليم الناس الدين… لمعرفة أخبار أهلنا البعيدين عنا… لنقل المعلومات المفيدة بأقصر وقت وأقل جهد… نستعملها لأشياء كثيرة من الخير… المهم أن نُحْسِنَ استعمالها…
تلك السكين استعملوها في المطبخ في حاجاتكم العادية… لا تستعملوها في أذية الناس… كذلك ما يسمى بوجوه الحضارة الطارئة علينا… خذوا منها ما ينفع… ودعوا الشر الذي بين جنباتها… ولا يَهُمَّكُم أن يناديكم الناس بالتخلف… ليسوا مِمَّنْ يضع الموازين… شرعنا فيه الموازين الصحيحة…. التزموا بها… █