الـحـمد لله رب العالـمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فإن العدل من محاسن الأخلاق التي دعا إليها الإسلام وهو الميزان الذي وضعه شرعنا الحنيف للخَلْق ونَصَبَهُ للحق لأن به انتظام الدنيا وصلاحها، وقد حذّر الإسلام من الظلم أشد التحذير وبيّن آثاره المشينة وعواقبه الوخيمة ونتائجه المدمرة على الفرد والمجتمع، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)﴾ سورة إبراهيم.
وهاكم هذه القصة التي تظهر أن الظلم لا يدوم ولا بد للمظلوم أن يأخذ حقه ولو بعد حين، يروى أنه دخل حاكم إلى حديقة قصره الجديد، وبينما هو يتأملها تفاجأ إذ رأى سور هذه الحديقة غير مستقيم، فسأل رئيس عماله المعني بأمر بناء هذه الحديقة: ما سبب عدم استقامة السور؟ فأجابه أن هناك امرأة عجوزًا تسكن في جوار القصر، وقد رفضت إعطاءهم أرضها ليضمّوها إلى أراضي القصر، ولم يكن لها مسكن آخر يؤويها. فأمر الحاكم بإخراج المرأة العجوز من أرضها ظلمًا وجورًا، فأرسل إليها جنوده وأخرجوها من أرضها بقسوة، ولم يمنعهم بكاؤها ونحيبها من ظلمهم لها، وسلبهم حقًا من حقوقها.
وبعد أن حصل الحاكم على مراده وأخرج المرأة المظلومة من أرضها، أمر ببناء استراحة جميلة مكان بيتها، وبمد السور بطريقة مستقيمة، لكن المرأة لم تترك الأمر على ما هو عليه، بل ذهبت إلى قاضٍ عادل وشكت إليه ما فعل بها الحاكم، وبعد أن تثبّت القاضي من حقيقة ما حصل قرّر أن يعيد لها أرضها بطريقة ظهر فيها ذكاؤه وحكمته، حيث أخذ القاضي كيسًا وقصد قصر الحاكم الجديد، وعندما دخل القصر قال للحاكم: قيل لي أيها الحاكم إنك قد أنشأت استراحة جميلة، وأنا أود رؤيتها والتمتع بمناظرها الخلابة التي شاع خبرها، ففرح الحاكم لأن أخبار الاستراحة قد انتشرت بين الناس حتى وصل الخبر للقاضي الذي قصدها وتــشــوق لـــزيــارتــها، فـدخـل الـقـاضـي الاستراحة وبيده الكيس الذي أتى به، فقال للحاكم: أتأذن لي بأن أملأ هذا الكيس من تراب هذه الحديقة فإنها تربة غنية. دهش الحاكم لطلب القاضي وقال وهو يضحك: خذ من ترابها ما تشاء… فملأ القاضي الكيس بالتراب ثم حاول أن يحمله فوجده ثقيلًا فطلب من الحاكم إعانته في حمل الكيس، فضحك الحاكم مرة ثانية متعجبًا من أمر القاضي، وقال: هذا عمل لم أجرّبه من قبل، ولعلي أستفيد بمساعدتي لك بحمله، فلما أراد حمله وجده ثقيلًا، وألقاه فورًا على الأرض…
فنظر القاضي إلى الحاكم وقال: أرأيت أيها الحاكم عجزك عن حمل هذا الكيس مع أنه كيس يملؤه القليل من تراب الأرض التي سلبتها ظلمًا من المرأة العجوز الضعيفة؟ فكيف بك يوم القيامة وأنت تحمل ذنب ظلمك للمرأة المسكينة؟!
عندها أفاق الحاكم من غفلته وتراجع عن ذنبه وتاب إلى رب العباد واستسمح المرأة العجوز وأعاد لها أرضها وترك لها الاستراحة وكل ما فيها من الأبنية والأزهار والزرع إرضاءً لها. وهكذا عادت الأرض إلى المرأة العجوز، وصار الناس يطلقون على هذه الحديقة اسم حديقة التوبة.
والحمد لله رب العالمين.█